للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشافعي والبخاري وغيرهما من أهل العلم، وكذلكَ الإمام أحمد وغيره ممن صنف في التفسير يكرر الطرق عن مجاهد أكثر من غيره.

قال: والمقصود أن التابعين تلقوا التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم علم السنة، وإن كانوا قد يتكلمون في بعض ذلكَ بالاستنباط والاستدلال، كما يتكلمون في بعض السنن بالاستنباط والاستدلال).

ولما سئل: فما أحسن طرق التفسير أجاب: (إن أصح الطرق في ذلكَ أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه فسر في موضع آخر، وما اختصر من مكان فقد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلكَ فعليكَ بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو مما فهمه من القرآن، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، وقال تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني السنة، قال: والسنة أيضًا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، لأنها تتلى كما يتلى. ثم قال: وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلكَ إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلكَ لما شاهدوه من القرآن، والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، ولا سيما علماؤهم وكبراؤهم، كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين: (مثل عبد الله بن مسعود) قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثنا أبو كريب، قال أنبأنا جابر بن نوح، أنبأنا الأعمش عن أبي الضُّحا عن مسروق قال: قال عبد الله -يعني ابن مسعود-: والذي لا إله غيرهُ، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته. وقال الأعمش أيضًا عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.

قال ومنهم الحبر البحر "عبد الله بن عباس" ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترجمان القرآن، ببركة دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل". وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، أنبأنا وكيع، أنبأنا سفيان عن الأعمش عن مسلم عن مسروق، قال: قال عبد الله -يعني ابن مسعود-: نعم ترجمان القرآن ابن عباس. (ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>