للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمّوا بذلك لأن بعضهم يشد بعضًا، كالوتد يشد البناء).

قلت: وكل ما سبق من التفاسير صادق في وصف ملك فرعون وطبيعة نفسه من الطغيان والكبر الذي يحتاج للمباني العظيمة، والهياكل الثابتة الفخيمة، وأسباب الترف واللعب وألوان القسوة في تعذيب مخالفيه، وكثرة الشرط والعملاء والجند، شأن الطغاة في كل زمان ومكان، والله تعالى أعلم.

وأما أصحاب الأيكة: فهم قوم شعيب صلوات الله وسلامه عليه، والأيكة: الغيْضَة، فهم سكان الغيضة الكثيفة الملتفة الشجر. فعن قتادة: ({وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} قال: كانوا أصحاب شجر. وكان عامة شجرهم الدوم). وعن السُّدي: (قوله: {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} قال: أصحاب الغَيْضَة).

وخلاصة القول: فلقد كذب نوحًا قومُه كما كذب هودًا قومه عاد، كما استكبر فرعون وجنده وطغوا في الأرض، كما كذب صالحًا قومه ثمود وكذلك كذب لوطًا قومُه أصحاب الأخلاق الدنيئة وأهل الفاحشة والرذيلة، كما كذب شعيبًا قومُهُ أصحابُ الشجر الملتف الكثيف، فهؤلاء جميعهم أحزاب مضت قبل قريش تحزبوا على أنبيائهم وتطاولوا على الحق والوحي فأنذرهم الله فتمادوا فدكهم ودمرهم وجعلهم للناس أحاديث فإن الله لا يحابي أحدًا، وهؤلاء قومك يا محمد إن تمادوا فهم مسلوك بهم سبيل من قبلهم {إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ}. وكقوله: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}. قال قتادة: (هؤلاء كلهم قد كذبوا الرسل فحق عليهم العذاب). فمن كذب رسوله فقد كذب الرسل فإن (إن) نافية وجملة (كَذَّبَ) هي الخبر، فتكذيب واحد من الرسل تكذيب للكل.

وقوله تعالى: {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ}. أي: ما ينتظر هؤلاء المشركون من قريش إلا صيحة الفزع يوم القيامة بعد أن عاينوا صيحة بدر وذل الهزيمة والقتل فيها، وتلك الصيحة يوم البعث لا رجعة فيها. و {يَنْظُرُ} بمعنى ينتظر، كقوله سبحانه: {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا}، وقوله: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}. و {هَؤُلَاءِ} هم كفار مكة. وقد جاء في هذه الآية تفاسير متقاربة من حيث الخطاب:

التفسير الأول: الصيحة هي النفخة الأولى والخطاب لكفار مكة. قال ابن جرير: (وما ينظر هؤلاء المشركون من قريش إلا النفخة الأولى في الصور، وهي صيحة واحدة

<<  <  ج: ص:  >  >>