للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: {فَفَزِعَ مِنْهُمْ} أي: لدخولهما عليه من غير الباب وقيل لدخولهما ليلًا في غير وقت نظره بين الناس. وقيل: ملكان في صورة إنسيين بعثهما الله إليه امتحانًا واختبارًا، فما شعر وهو في الصلاة إلا وهما بين يديه جالسين، فاختصما إليه طالبين منه الفصل بينهما في خلاف وقع بينهما. وقوله: {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} أي بالعدل والقسط {وَلَا تُشْطِطْ}. قال قتادة: (أي لا تَمِل). وقال السدي: (يقول لا تحُف). أي اقض بيننا بالعدل ولا تجرُ أو تُسْرِف في حكمك فتميل مع أحدنا على صاحبه. وفي لغة العرب: أشطَّ في القضية أي جارَ، واشتطَّ أي أبْعَدَ، والشَطَط مجاوزة القدر في كل شيء، والشطُ: جانب النهر، فأشطَّ وشطَّ لغتان. وقيل لا تُسْرِف، وقيل لا تفرط، وكلها معان متقاربة كما قال جل ثناؤه في سورة الكهف: {لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أي جَورًا وبُعدًا عن الحق. {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} قال قتادة: (أي إلى عدله وخيره). وعن وهب بن منبه قال: (أي احملنا على الحق ولا تخالف بنا إلى غيره). فالمقصود أرشدنا إلى طريق الرشد والفصل وقصد السبيل.

وقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ}. قال وهب بن منبه: {إِنَّ هَذَا أَخِي} أي على ديني). {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} وهي أنثى الضأن {وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} من تلك النعاج ومثيلاتها. {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا}، قال ابن زيد: (أعطنيها). ليصبح لي منها مئة كاملة {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ}. قال وهب: (أي قهرني في الخطاب وكان أقوى مني فحاز نعجتي إلى نعاجه وتركني لا شيء لي). أي أراد تملكها كما قال ابن عباس: (اجعلها كفلي أي نصيبي) وغلبني في الحجة والخصومة والإحراج.

وقوله: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ}. أي: ما أنصفك بهذا الطلب. قال القاسمي: (أي طلب نعجتك التي أنت أحوج إليها ليضمها إلى نعاجه).

وقوله: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}.

قال ابن جرير: (وإن كثيرًا من الشركاء ليتعدى بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا بالله وعملوا بطاعة الله وانتهوا إلى أمره ونهيه ولم يتجاوزوه).

فالأخلاء الصالحون قليل ما هم كما قال جل ثناؤه: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}. فإن أغلب علاقات الناس في الدنيا تقوم على المصالح الأرضية

<<  <  ج: ص:  >  >>