للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}. أي إن ما قسم اللَّه في الحياة الدنيا اختبار وامتحان فابتلى هؤلاء بالغنى وابتلى هؤلاء بالفقر، وابتلى هؤلاء بالعافية كما ابتلى هؤلاء بالمرض، ثم لا يدري كثير من الناس أجر الصابرين عند اللَّه يوم القيامة وأجر الراضين المحتسبين. قال ابن جرير: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ}: بجهلهم وسوء رأيهم {لَا يَعْلَمُونَ} لأي سبب أعطوا ذلك).

فقد أخرج الترمذي في "الجامع" والطبراني في "الكبير" عن ابن عباس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [ليودّنَّ أهل العافيةِ يوم القيامةِ أن جلودهم قرضتْ بالمقاريض، مما يرون من ثواب أهل البلاء] (١).

وكذلكَ في المسند عن محمود بن لبيد، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [اثنتان يكرههما ابنُ آدم: يكرهُ الموت، والموتُ خيرٌ له من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلةُ المال أقلُ للحساب] (٢).

وقوله تعالى: {قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

قال السدي: (الأمم الماضية). وقيل: يعني الكفار قبلهم كقارون وغيره كما حكى اللَّه عن قارون في سورة القصص حيث قال: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص: ٧٨]. وفي {مَا} قولان:

الأول: إنها للجحد. والمعنى: لم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب اللَّه شيئًا.

الثاني: قيل بل هي للاستفهام. والمراد: أي فما الذي أغنى عنهم أموالهم.

وكلاهما يحتمله المجاز والبيان القرآني، والآية تشبه قوله تعالى: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ: ٣٥].

وقوله تعالى: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ}. أي: لقد حق القول على الأمم الماضية لما كذبت فأهلكها اللَّه ودمّرها، وليس هؤلاء القوم المكذبين من قريش بأحسن حال ممن قبلهم، فالكل


(١) حديث حسن. أخرجه الترمذي "في الجامع" (٢٤٠٤)، والطبراني في "الكبير" (٣/ ١٧٨/ ٢).
(٢) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (٥/ ٤٢٧ - ٤٢٨)، وانظر السلسلة الصحيحة (٨١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>