للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجاء الجواب من اللَّه ردًّا على تلك النفس المُتَمنِّيَة: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.

قال قتادة: (يقول اللَّه ردًّا لقولهم وتكذيبًا لهم، يعني لقول القائلين: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} والصنف الآخر: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي. . .} الآية). قال النسفي: (ولكن تركت ذلك وضيعته واستكبرت عن قبوله، وآثرت الضلالة على الهدى، واشتغلت بضد ما أمرت به، فإنما جاء التضييع من قبلك فلا عذر لك).

وقال ابن جرير: (يقول: قد جاءتك حججي من بين رسول أرسلته إليك، وكتاب أنزلته يتلى عليك، ما فيه من الوعد والوعيد والتذكير، فكذبت بآياتي واستكبرت عن قبولها واتباعها وكنت ممن يعمل عمل الكافرين).

والمراد بالآيات في هذه الآية ما نزل من القرآن، وذلك كما قال الشوكاني: (المراد بالآيات هي الآيات التنزيلية وهو القرآن، ومعنى التكذيب بها قوله: إنها ليس من عند اللَّه وتكبر عن الإيمان بها، وكان مع ذلك التكذيب والاستكبار من الكافرين باللَّه).

قلت: وإن كان الخطاب للمذكر إلا أن النفس في كلام العرب تطلق على المذكر والمؤنث. والآية كقوله في سورة هود: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} والآية التي قبلها: {أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.

وفي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إن اللَّه تعالى يقول لأهون أهل النار عذابًا: لو أنّ لكَ ما في الأرض من شيء كنتَ تفتدي به؟ قال: نعم، قال: فقد سألتك ما هو أهونُ من هذا وأنت في صُلبِ آدم أن لا تشركَ بي شيئًا فأبيت إلا الشرك] (١).

وعن الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [يؤتى بالعبدِ يوم القيامة، فيقالُ له: ألم أجعل لك سمعًا وبصرًا ومالًا وولدًا، وسَخَّرت لك الأنعام والحرثَ وتركتك ترأسُ وتربعُ، فكنت تظنَّ أنك مُلاقِيَّ يومَكَ هذا؟ فيقول: لا، فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني] (٢).


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٣٣٣٤) - كتاب أحاديث الأنبياء - ورواه مسلم.
(٢) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في السنن -حديث رقم- (٢٤٢٨). وأصله في صحيح مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>