للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جرير: (يصلون حول عرش اللَّه شكرًا له، والعرب تدخل الباء أحيانًا في التسبيح وتحذفها أحيانًا فتقول: سبح بحمد اللَّه وسبح حَمْدَ اللَّه كما قال جل ثناؤه {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وقال في موضع آخر {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}). قال النسفي: (وذلك للتلذذ دون التعبد لزوال التكليف).

وقوله: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} فيه أكثر من تأويل:

التأويل الأول: أي بين الخلائق فريق في الجنة وفريق في السعير. قال الشوكاني: (أي بين العباد بإدخال بعضهم الجنة وبعضهم النار). وهو اختيار ابن كثير.

التأويل الثاني: قيل: قضي بين النبيين الذين جيء بهم مع الشهداء وبين أممهم بالحق والعدل. ذكره القرطبي. وهو اختيار ابن جرير.

التأويل الثالث: قيل: بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب درجاتهم. ذكره الشوكاني وَرَجَّح التأويل الأول.

قلت: فالكل قد أخذ حقه في ذلك اليوم الرهيب، فقد فصل اللَّه بين الأنبياء وأقوامهم بعد أن تقدم الشهداء من أمة محمد بالشهادة ضد المكذبين للرسل على صدق الرسل وتبليغهم. ثم قضي بينهم في دار الخلود كل في مقامه وحسب مرتبته سواء كان من أهل الجنة أو من أهل النار. وكذلك الملائكة فقد أنصفهم ربهم سبحانه في منازلهم ومراتبهم فلهج الملائكة والمؤمنون بحمد اللَّه العظيم الذي حمد نفسه ومدحها من قبلهم فتبارك اللَّه أحسن الخالقين حيث ختم الموقف بقوله: {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. قال قتادة: (افتتح اللَّه أول الخلق بـ "الحمد للَّه" فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} وختم بالحمد فقال: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}).

قال القرطبي: (فلزم الاقتداء به، والأخذ في ابتداء كل أمر بحمده وخاتمته بحمده).

وقال القاسمي رحمه اللَّه: (والقائل: إما الحق جل جلاله، أو الملائكة الحافون، أو المؤمنون ممن قضي بينهم، أو الكل، فله الحمد عز وجل).

واختار الحافظ ابن كثير إطلاق الآية حيث قال: (أي نطق الكون أجمعه ناطقه وبهيمه للَّه رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله. قال: ولهذا لم يسند القول إلى قائل فدلّ على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد).

قلت: فإذا فرح المؤمنون بمنازلهم في الجنة، وَبِخِزْي أعدائهم في النار، نطقت

<<  <  ج: ص:  >  >>