في هذه الآيات: تشريف اللَّه تعالى نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا القرآن العربي المبين، لينذر به أهل مكة ومن حولهم يوم الحشر العظيم، ولو شاء اللَّه لهداهم أجمعين، ولكن حقت كلمة الخزي والذل على الظالمين.
فقوله:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}. قال ابن كثير:(يقول تعالى: وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}، أي: واضحًا جليًا بَيِّنًا).
وقوله:{لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}. قال السدي:(مكة). وقال النسفي:(أي مكة لأن الأرض دحيت من تحتها، أو لأنها أشرف البقاع والمراد أهل أم القرى).
قلت: وفي لغة العرب - أم كل شيء أصله ومركزه، فسميت مكة أم القرى لأنها توسطت الأرض، فجمعت بين الوسطية والمكانة والشرف.
أخرج ابن ماجة والترمذي بسند صحيح عن محمد بن مسلم، أنه قال: إن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أخبره، أن عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء قال له: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو على ناقته، واقف بالحَزْوَرَة يقول:[واللَّه! إنَّك لَخَيْرُ أرضِ اللَّه، وأحَبُّ أَرْضِ اللَّه إليَّ. واللَّه! لولا أنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ، ما خرجْتُ](١).
وفي صحيح البخاري وسنن ابن ماجة عن صفيَّةَ بنت شيبة قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب عام الفتح، فقال: [يا أيها الناسُ! إنَّ اللَّه حَرَّمَ مَكَّةَ يومَ خلقَ السماوات
(١) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن (٣١٠٨) - باب فضل مكة. انظر صحيح سنن ابن ماجة (٢٥٢٣). ورواه الترمذي في الجامع (٣٩٢٣)، وأحمد في المسند (٤/ ٣٠٥)، وابن حبان (٣٧٠٨)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.