للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}. أي على التفصيل الذي شرع لك ربك بعد ذلك وبَيَّنَ لك آفاقه ومعالمه. وقيل: عنى به ما الطريق إليه السمع دون العقل، وذاك ما كان له فيه علم حتى كسبه بالوحي - حكاه النسفي.

وقوله: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا}. أي: ولكن جعلنا هذا القرآن العظيم ضياء للناس، باشتماله على منهاج السعادة في الدارين.

وقوله: {نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}. قال السدي: (يعني القرآن). قال القرطبي: (أي من نختاره للنبوّة، كقوله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: ٧٤]).

قلت: بل الآية تعم كل من أصابه نور هذا الوحي فأبصر به منهاج النجاة، كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: ٤٤]. والهداية هنا هي هداية التوفيق والإلهام.

وقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. هذه هداية الدلالة والإرشاد. وهي هداية الرسل، والمعنى: وإنك لتدعو يا محمد إلى منهاج قويم وطريق مستقيم. قال السدي: (تدعو إلى دين مستقيم). وقال قتادة: (لكل قوم هاد). وقوله: {صِرَاطِ اللَّهِ}. -صراط- بدل، ترجمة عن الصراط الأول. قال ابن كثير: ({صِرَاطِ اللَّهِ}، أي: شرعه الذي أمَر به اللَّه).

وقوله: {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}. قال القاسمي: (أي خلقًا وملكًا). وقوله: {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}. قال ابن جرير: (ألا إلى اللَّه أيها الناس تصير أموركم في الآخرة فيقضي بينكم بالعدل).

فإن قيل: أوليست أمورهم في الدنيا إليه؟ قيل: هي وإن كان إليه تدبير جميع ذلك، فإن لهم حكامًا وولاة ينظرون بينهم، وليس لهم يوم القيامة حاكم ولا سلطان غيره.

فيكون المعنى: إن مآل الأمور للفصل والجزاء إليه سبحانه في الآخرة، فهو يحكم ولا معقب لحكمه، وهو أحكم الحاكمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>