للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢٦)}.

في هذه الآيات: نَسْبُ المشركين المصائب والموت إلى الدهر، وتنطعهم بإنكار البعث من القبور بعد الموت إلى مشهد الحشر.

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم بسند رجاله رجال الصحيح عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحيينا، فقال اللَّه في كتابه: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}. قال: فيسبون الدهر، فقال اللَّه تبارك وتعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار] (١).

وعن مجاهد: ({وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} قال: الزمان). قال قتادة: (قال ذلك مشركو العرب: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} إلا العمر). والمقصود: يقولون ما يهلكنا فيفنينا إلا مرّ الليالي والأيام وطول العمر، إنكارًا منهم أن يكون لهم ربٌ يفنيهم ويهلكهم.

وفي الصحيحين عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [قال اللَّه تعالى: يسُب ابنُ آدم الدهرَ وأنا الدهرُ، بيدي الليل والنهار] (٢).

وفي صحيحِ البخاري عن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [لا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ، ولا تقولوا: خَيْبَة الدهر، فإن اللَّه هو الدَّهْرُ] (٣).

والآية إخبارٌ عن قول الدَّهرية من الكفار، ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد، فلقد أنكروا البعث ونسبوا النوازل -ومنها الموت- إلى الدهر.

قال سبحانه في سورة النحل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل: ٣٨ - ٣٩].

فهدَّدهم سبحانه عاقبة ما يحلفون كذبًا وزورًا وافتراء على اللَّه بغير علم.


(١) حديث صحيح. أخرجه الطبري (٣١٢٠٧)، وإسناده على شرط البخاري ومسلم.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦١٨١) كتاب الأدب، وأخرجه مسلم (٢٢٤٦) (١)، وأخرجه الطبري (٢٥/ ١٥٢، وابن حبان (٥٧١٤).
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦١٨٢) - كتاب الأدب، باب: لا تَسُبُّوا الدهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>