بالحدّ، فقال له عليّ رضي اللَّه عنه: ليس ذلك عليها، قال اللَّه تعالى:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، وقال تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}[البقرة: ٢٣٣] فالرضاع أربعة وعشرون شهرًا والحمل ستة أشهر، فرجع عثمان عن قوله ولم يحدّها.
وقوله:{حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ}. أي قوي وشبَّ وارتجل. قال ابن عباس:(أشدّه: ثلاث وثلاثون سنة، واستواؤه أربعون سنة، والعذر الذي أعذر اللَّه فيه إلى ابن آدم ستون). وعن الشّعبي قال:(الأشدّ: الحلم إذا كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات). والأول أشبه في مفهوم الأشد من الحلم، فإن الأشد هو غاية القوة والاستواء، فالثلاث والثلاثون أشبه.
وقوله:{وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}. أي: تناهى عقله واكتمل فهمه وكمل حلمه، فهو سن الاستقرار في رسوخ المفاهيم. وروى الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قلت لمسروق: متى يُؤخذ الرجل بذنوبه؟ قال:(إذا بَلَغْتَ الأربعين فَخُذْ حِذْرَكَ). قال ابن جرير:({وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}: ذلك حين تكاملت حجة اللَّه عليه، وسير عنه جهالة شبابه، وعرف الواجب للَّه من الحق في بر والديه).
وقوله:{قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي}. أي: ألهمني. {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} -أي شكر نعمتك. فأن أشكر: في موضع نصب على المصدر. ووزعت الرجل على كذا: إذا دفعته عليه.
وقوله:{عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}. قال القرطبي:(أي ما أنعمت به عليَّ من الهداية {وَعَلَى وَالِدَيَّ} بالتحنن والشفقة حتى ربّياني صغيرًا. وقيل: أنعمت عليّ بالصحة والعافية وعلى والديّ بالغنى والثروة).
وقوله:{وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ}. أي: ووفقني في المستقبل لاستقبال العمل الصالح الذي ترضاه.
وقوله:{وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}. أي: اجعلهم هداة للإيمان والعمل الصالح. قال سهل بن عبد اللَّه. (المعنى اجعلهم لي خَلَفَ صدق، ولك عبيدَ حق).
وقال أبو عثمان:(اجعلهم أبرارًا لي مطيعين لك). وقال ابن عطاء:(وفقهم لصالح أعمال ترضى بها عنهم). وقال محمد بن علي:(لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلًا).
وفي التنزيل نحو ذلك من دعاء المؤمنين:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان: ٧٤].