يستمدوا بهم، امتناع الاستمداد بالضال، ففي {ضَلُّوا} استعارة تبعية).
وقوله:{وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}. قال النسفي:({وَذَلِكَ} إشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم وضلالهم عنهم، أي: وذلك أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها آلهة وثمرة شركهم وافترائهم على اللَّه الكذب).
في هذه الآيات: خبرُ لقاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع فريق من الجن -وقد حيل بينهم وبين استراق السمع من السماء- فاستمعوا القرآن وأنصتوا له ورجعوا إلى قومهم منذرين. فإلى تفصيل ذلك:
إنّ الجن كما أثبت اللَّه سبحانه كائنات مستترة عن أنظار البشر، قال جل ذكره:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}[الأعراف: ٢٧]. ثم إن اللَّه قد أعطاهم قدرة على التجسم والظهور بأشكال شتى.
ولقد رأى نفر منهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظ، وكانوا قد حيل بينهم وبين خبر السماء وأرسلت علهيم الشهب، فلما وجدوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمًا يصلي صلاة الفجر وهو يقرأ القرآن فاستمعوا فعرفوا ما الأمر الذي حدث وكان سبب منعهم من استراق السمع.
قال سعيد بن جبير:(لما بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حُرست السماء، فقال الشيطان: ما حرست إلا لأمر قد حدث في الأرض. فبعث سراياه في الأرض فوجدوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمًا يصلي صلاة الفجر بأصحابه بنخلة وهو يقرأ، فاستمعوا حتى إذا فرغ {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} إلى قوله {مُسْتَقِيمٍ}).