وعن قتادة:({ويُعزروه} ينصروه {ويوقروه} أمر اللَّه بتسويده وتفخيمه).
وعن عكرمة:({ويعزروه} قال: يقاتلون معه بالسيف). قال ابن جرير:(ومعنى التعزير في هذا الموضع: التقوية بالنصرة والمعونة ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال. فأما التوقير: فهو التعظيم والإجلال والتفخيم).
قلت: التعزير ينصرف هنا إلى تعظيم هديه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومتابعته بالنصر والجهاد، والتوقير ينصرف إلى حسن الأدب عند لقائه، وندائه بالرسالة والنبوة لا بالاسم والكُنية -واللَّه تعالى أعلم.
وقوله:{وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} الضمير راجع إلى اللَّه سبحانه وتعالى بلا خلاف. وفيه تأويلان متكاملان:
التأويل الأول: تسبيحه بالتنزيه له سبحانه من كل قبيح.
التأويل الثانى: هو فعل الصلاة التي فيها التسبيح. {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} أي: غُدْوة وعَشِيًّا. -حكاه القرطبي.
أي: إن الذين يبايعونك -يا محمد- بالحديبية، إنما هم ببيعتهم لك يبايعون اللَّه تعالى.
قال ابن جرير:(يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} بالحديبية من أصحابك على أن لا يفرّوا عند لقاء العدو، ولا يولُوهم الأدبار {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} يقول: إنما يبايعون ببيعتهم إياك اللَّه، لأن اللَّه ضمن لهم الجنة بوفائهم له بذلك).
قال:(وفي قوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} وجهان من التأويل: أحدهما: يد اللَّه فوق أيديهم عند البيعة، لأنهم كانوا يبايعون اللَّه ببيعتهم نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والآخر: قوة اللَّه فوق قوتهم في نُصرة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، لأنهم إنما بايعوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على نُصرته على العدو).
وقال الحافظ ابن كثير: (قال عز وجل لرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- تشريفًا له وتعظيمًا:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} كقوله جل وعلا: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء: ٨٠]. {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} أي: هو حاضر معهم يَسْمع أقوالهم ويرى مكانهم ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ