للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حَبِطَ عملي، أنا من أهل النار. وجلسَ في أهله حزينًا، ففقدَه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فانطلقَ بعض القوم إليه فقالوا له: تَفَقَّدك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مالك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأجْهَرُ له بالقول، حَبِطَ عملي، أنا من أهل النار. فأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبروه بما قال. قال: لا، بل هو من أهل الجنة. قال أنس: فكُنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة. فلما كان يومُ اليمامة كان فينا بعضُ الانكشاف، فجاءَ ثابتُ بن قَيس بن شمَّاس وقد تَحَنَّطَ ولبِسَ كفَنَهُ، فقال: بئسما تُعَوِّدون أقرانكم. فقاتلهم حتى قُتِلَ] (١).

وقوله: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}. قال مجاهد: (لا تنادوه نداء، ولكن قولًا لينًا يا رسول اللَّه). وعن قتادة قال: (كانوا يجهرون له بالكلام، ويرفعون أصواتهم، فوعظهم اللَّه، ونهاهم عن ذلك).

وقال الضحاك: (هو كقوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: ٦٣]. نهاهم اللَّه أن ينادوه كما ينادي بعضهم بعضًا، وأمرهم أن يشرِّفوه ويعظِّموه ويدعوه إذا دعوه باسم النبوة).

وقوله: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}. قال ابن كثير: (أي: إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشيةَ أن يغضبَ من ذلك، فيغضب اللَّه تعالى لِغَضَبِهِ، فَيُحبِطَ اللَّه عملَ من أغضبه وهو لا يدري).

أخرج ابن ماجة والترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إنّ الرجل ليتكلَّمُ بالكلمةِ لا يَرى بها بأسًا، يَهْوي بها سَبْعين خريفًا في النار] (٢).

وأخرج الترمذي وابن ماجة بإسناد صحيح عن بلال بن الحارث المزني صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [إن أحَدَكُم ليتكلَّم بالكلمة من رضوان اللَّه ما يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ ما بَلَغَتْ فيكتبُ اللَّهُ له بها رضوانه إلى يوم يَلْقاهُ، وإنَّ


(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٣/ ١٣٧)، وإسناده على شرط البخاري ومسلم. ورواه مسلم نحوه (١١٩) ح (١٨٧) - (١٨٨).
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن (٣٩٧٠)، وانظر صحيح سنن الترمذي (١٨٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>