للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}. قال ابن كثير: (أي: كيف كان عذابي لمن كَفَر بي وكَذَّب رُسُلي ولم يَتَّعِظ بما جاءت به نُذُري؟ وكيف انتصرتُ لهم، وأخذت لهم بالثَّأر؟ ).

وقوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}. قال البخاري: (قال مجاهد: يَسَّرنا: هَوَّنَّا قِراءَته). وقال السدي: (يَسَّرنا تلاوته على الألسُن). وقال ابن زيد: (يسَّرنا: بَيَّنا). قال ابن عباس: (لولا أن اللَّه يسَّره على لسانِ الآدميين ما استطاعَ أحدٌ من الخلق أن يتكلم بكلام اللَّه عز وجل).

والمقصود: امتنان من اللَّه تعالى على عباده أن سهَّل لفظ القرآن لهم، ويَسَّر فهم معناه، ليكون ذكرى لمن أراد أن يذّكَّر أو أراد شكورًا.

وفي التنزيل نحو ذلك:

١ - قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: ٢٩].

٢ - وقال تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: ٩٧].

وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: [إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: أقرأني جبريلُ عليه السلام على حرف، فراجَعْتُه، فلم أزل أستزيدُهُ فيزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف] (١).

قال ابن شِهاب: (بلغني أنَّ تلكَ السَّبْعَةَ الأحرف إنما هيَ في الأمرِ الذي يكونُ واحِدًا، لا يخْتَلِفُ في حلالٍ ولا حرامٍ).

وقوله: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. أي: فهل من متّعظٍ بهذا القرآن متذكر وعده ووعيده؟ ! قال محمد بن كعب القرظي: (فهل من مُنْزَجِرٍ عن المعاصي؟ ). قال البخاري: (وقال مطرٌ الورَّاقُ: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قال: هلْ مِنْ طالبِ عِلْمٍ فيعانَ عليه؟ ).

ولقد تكرر في هذه السورة قوله سبحانه: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} للتنبيه والإفهام. قال القرطبي: (وقيل: إنّ اللَّه تعالى اقتص في هذه السورة على هذه الأمة أنباء الأمم وقصص


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه (٣٢١٩)، وأخرجه مسلم في الصحيح (٨١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>