للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن المجرمين أنهم في ضلال عن الحق، وسُعُرٍ مما هُم فيه من الشكوك والاضطراب في الآراء، وهذا يشمل كُلَّ من اتّصف بذلك من كافر وَمُبتدع من سائر الفرق).

وقوله: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ}. تَقْرِيرٌ من اللَّه العظيم لِمَا سيكون من مذلة وإهانة لتلك الوجوه التي أبت أن تسجد للَّه في الدنيا كبرًا وعنادًا.

وقوله: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ}. أي: ويقال لهم تقريعًا وتوبيخًا: ذوقوا أَلَم جهنم. فَمَسُّها ما يجدون من الألم عند الوقوع فيها. و"سَقَر" اسم من أسماء جهنم لا ينصرف، لأنه اسم مؤنث معرفة، وكذا لَظَى وجهنم.

وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}. إثبات قدر اللَّه السابق لخلقه. كما قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: ٢]. وكقوله جل ذكره: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: ١ - ٣].

قال القرطبي: (الذي عليه أهل السنة أن اللَّه سبحانه قَدَّرَ الأشياء، أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد منها ما سبق في علمه أنه يوجده على نحو ما سبق في علمه، فلا يحدث حدث في العالم العلويّ والسفليّ إلا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه، وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع اكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة، وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير اللَّه تعالى وبقدرته وتوفيقه وإلهامه، سبحانه لا إله إلا هو، ولا خالق غيره، كما نص عليه القرآن والسنة، لا كما قالت القَدريّة وغيرهم من أن الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: [جاء مشركُو قريش يخاصمون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في القدر، فنزلت: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}] (١).

وله شاهد عند البخاري في "خلق أفعال العباد" من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: [نزلت هذه الآية {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} في أهل القدر].

وفي سنن أبي داود بسند حسن عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [القَدَرِيّة مَجُوسُ هذه الأمة: إنْ مَرِضُوا فلا تعودوهم، وإنْ ماتوا فلا تشهدوهم] (٢).


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٦٥٦)، والترمذي (٢١٥٧)، (٣٢٩٠)، ورواه ابن ماجة (٨٣)، والواحدي (٧٧٥). وانظر للشاهد: "خلق أفعال العباد" ص (١٩).
(٢) حديث حسن. أخرجه أبو داود (٤٦٩١)، كتاب السنة. انظر صحيح سنن أبي داود (٣٩٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>