في هذه الآيات: ذِكْرُ حال أصحاب اليمين، وما أعدّ اللَّه لهم في جنات النعيم، من الفاكهة والعيون والحور العين، فتبارك اللَّه رب العالمين.
فقوله تعالى:{وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}. أي: ومن دون تلك الجنتين السابقتين الذكر جنتان، هما دونهما في المنزلة والمرتبة والفضيلة، فالأوليان للمقرّبين، والأخريان لأصحاب اليمين. قال ابن زيد:({وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} هما أدنى من هاتين لأصحاب اليمين).
وقال:(من دونهما في الفضل). قال ابن كثير:(والدليل على شرف الأوليَين على الأخريَين وجوه: أحدهما: أنه نَعَتَ الأُوليين قبل هاتين، والتقديم يَدُل على الاعتناء. ثم قال:{وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} وهذا ظاهر في شرف التقدم وعلوه على الثاني. وقال هناك:{ذَوَاتَا أَفْنَانٍ}، وهي الأغصان أو الفنون في الملاذِّ، وقال هاهنا:{مُدْهَامَّتَانِ} أي سوداون من شدة الريّ من الماء).
وتقدم في الصحيحين من حديث عبد اللَّه بن قيس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:[جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتُهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداءُ الكبرياء على وجهه في جنة عَدْن](١).
وقوله تعالى:{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}. أي: فبأي ألوان هذه النعم وهذا النعيم الموعود لأهل الجنة -معشر الثقلين- تكذبان؟ ! .
وقوله تعالى:{مُدْهَامَّتَانِ}. قال ابن عباس: (قد اسودَّتا من الخُضرة، من شدة
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٤٨٨٠)، ومسلم (١٨٠)، والترمذي (٢٥٢٨)، ورواه أحمد في المسند (٤/ ٤١١).