قال ابن كثير: (أي: هذا القرآن منزَّلٌ من رب العالمين، وليس هو كما يقولون: إنه سِحْرٌ، أو كَهانَةٌ، أو شِعْرٌ، بل هو الحق الذي لا مِرْيَةَ فيه، وليس وراءه حقّ نافع).
وقوله تعالى: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ}. قال ابن عباس: (يقول: مكذّبون غير مصدقين). وقال مجاهد: (تريدون أن تُمالِئوهم فيه، وتركنوا إليهم).
والمدهِنُ الذي ظاهره خلاف باطنه، كأنه شبِّه بالدهن في سهولة تليّنه وتغيره.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: أفبهذا القرآن الذي أنبأتكم خبره، وقصصت عليكم أمره أيها الناس أنتم تلينون القول للمكذّبين به، ممالأة منكم لهم على التكذيب به والكفر).
وقوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}. أي: وتجعلون شكركم للَّه تعالى على امتنانه عليكم بالرزق والخير والعافية هو التكذيب والجحود والنكران!
قال الحسن: (بئسما أخذ قوم لأنفسهم لم يرزقوا من كتاب اللَّه إلا التكذيب به).
أو قال: (خسر عبد لا يكون حظه من كتاب اللَّه إلا التكذيب).
يروي ابن جرير بسنده عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي اللَّه عنه: ({وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} قال: شكركم. قال: شكركم، تقولون مُطرنا بنوء كذا وكذا، وبنجم كذا وكذا).
ثم روى بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} قال: (ما مُطر الناس ليلة قطّ، إلا أصبح بعض الناس مشركين يقولون: مُطرنا بنوء كذا وكذا. قال: وتجعلون شكركم أنكم تكذبون).
قلت: وهذان الأثران عن علي وابن عباس رضي اللَّه عنهما يصلحان شاهدين للحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن ابن عباس قال: [مطر الناس على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر. قالوا: هذه رحمة، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فنزلت هذه الآية: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} حتى بلغ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}] (١).
والنازل هو قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}، والباقي من الآيات نزل
(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٧٣)، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء.