رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ألا إنَّ أعجب الخلق إليَّ إيمانًا لَقَوْمٌ يكونون من بعدكم يجدون صحفًا فيها كتاب يؤمنون بما فيها] (١).
وقوله:{وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ}. قال مجاهد:(هو الميثاق الأول الذي كان وهم في ظهر آدم بأن اللَّه ربكم لا إله لكم سواه). وقيل: الميثاق هنا بيعة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما قال تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[المائدة: ٧]. وقيل: أخذ اللَّه ميثاقكم بما أودع فيكم من العقول، وأقام عليكم الدلائل والحجج التي تدعو إلى متابعة الرسول - واللَّه تعالى أعلم.
وقوله:{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. قال القاشاني:(أي إن بقي نور الفطرة والإيمان الأزليّ فيكم). وقال ابن جرير:(يقول: إن كنتم تريدون أن تؤمنوا باللَّه يومًا من الأيام، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لتتابع الحجج عليكم بالرسول وإعلامه ودعائه إياكم إلى ما قد تقرّرت صحته عندكم بالأعلام والأدلة والميثاق المأخوذ عليكم).
قال مجاهد:(من الضلالة إلى الهدى). أي: هو الذي ينزل على رسوله القرآن المشتمل على الحجج الواضحات والدلائل الباهرات والبراهين القاطعات، ليخرجكم بهذه الآيات والمعجزات من ظلمات الهوى والجاهلية والكفر إلى نور الحق واليقين والإيمان.
وقوله:{وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}. أي: وإن اللَّه تعالى رؤوف بعباده بإنزاله الكتب وإرساله الرسل لإنارة الطريق وإزاحة العلل وإزالة الشكوك والشبهات.
وقوله:{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. توبيخ على ترك الإنفاق في سبيل اللَّه. قال الشهاب:(هذا من أبلغ ما يكون في الحث على الإنفاق، لأنه قرنه بالإيمان أولًا لما أمرهم به، ثم وبّخَهم على ترك الإيمان، مع سطوع براهينه، وعلى ترك الإنفاق في سبيل من أعطاه لهم، مع أنهم على شرف الموت، وعدم بقائه لهم إن لم ينفقوه. وسبيل اللَّه كل خير يوصلهم إليه، أعم من الجهاد وغيره. وقصر بعضهم إياه على الجهاد، لأنه فرده الأكمل، وجزؤه الأفضل، من باب قصر العام على أهم أفراده وأشملها، ولا سيما وسبب النزول كان لذلك).
(١) حسن لشواهده. انظر رواية البزار (٣٨٣٩) - "كشف"، والحاكم (٢/ ٨٥)، وأبي يعلى (١٦٠)، من حديث عمر، وتفسير ابن كثير (٣٧٠) - تحقيق المهدي.