للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنافقون وتخلوا عنهم، وخضعوا لأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واستسلموا له، ورجوه أن يُجْليهم ويكف عن دمائهم، على أن يحملوا على الإبل ما استطاعوا من أموالهم إلا السلاح، فأجازهم، فجعلوا يخربون بيوتهم بأيديهم، ويخلعون أبوابها وما وافقهم من أخشابها وشبابيكها. وأنزل اللَّهُ فيهم سورة كاملة من القرآن، وهي سورة الحشر.

قال ابن إسحاق: (ونزل في بني النضير سورةُ الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم اللَّه به من نقمتهِ، وما سلط عليهم به رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وما عمل به فيهم).

أخرج الحاكم والبيهقي بسند صحيح عن عائشة رضي اللَّهُ عَنها قالت: [فحاصرهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة -يعني السلاح- فأنزل اللَّه فيهم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} فقاتلهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام، وكانوا من سبطِ لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان اللَّه قد كتب عليهم ذلك، ولولا ذلكَ لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي، وأما قوله: {لِأَوَّلِ الْحَشْر} فكانَ ذلكَ أول حشر في الدنيا إلى الشام] (١).

قال ابن عباس: (من شكَ في أن أرضَ المحشر هاهنا يعني الشام فليقرأ هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} قال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اخرجوا". قالوا: إلى أين؟ قال: "إلى أرض المحشر").

وفي المسند للإمام أحمد، وكذلكَ في سنن ابن ماجة بإسناد صحيح من حديث ميمونة بنت سعد، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [الشام أرض المحشر والمَنْشَر] (٢).

وعن قتادة: (قوله: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} قيل: الشام، وهم بنو النضير حي من اليهود، فأجلاهم نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من المدينة إلى خيبر، مرجعه من أحد).

ثم قال سبحانهُ مخاطبًا المؤمنين: {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} وينزل بهم الخزي فيغادروا مساكنهم ومنازلهم {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} وذلكَ لما أرسل إليهم رأس المنافقين وجماعته أن اثبتوا في حصونكم ووعدوهم النصر، {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ


(١) حديث صحيح. أخرجه الحاكم والبيهقي. انظر: "الصحيح المسند من أسباب النزول" - الوادعي - سورة الحشر. وكتابي: "السيرة النبوية على منهج الوحيين" (٢/ ٨٠٥).
(٢) حديث صحيح. انظر أحاديث فضائل الشام (٤)، وصحيح الجامع الصغير (٣٦٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>