للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}.

أي: ما أفاء اللَّه على رسوله من جميع البلدان التي تُفتح هكذا، فحكمها حكم أموال بني النضير في التقسيم، فاللَّه سبحانه لم يقسم هذا الفيء أخماسًا ولا أثلاثًا، وإنما ذكر في الآية من ذكر على وجه التنبيه عليهم لأنهم أهم من يدفع إليه.

قال الإمام مالك: (هو موكول إلى نظر الإمام واجتهاده، فيأخذ منه من غير تقدير، ويعطي منه القرابة باجتهاد، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين).

وقوله: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}. قال القرطبي: (ومعنى الآية: فَعَلْنا ذلك في هذا الفيء، كي لا تقسمه الرؤساء والأغنياء والأقوياء بينهم دون الفقراء والضعفاء، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا غنموا أخذ الرئيس رُبْعها لنفسه، وهو المِرْباع. ثم يصطفي منها أيضًا بعد المِرْباع ما شاء. يقول: كي لا يعمل فيه كما كان في الجاهلية. فجعل اللَّه هذا لرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، يقسمه في المواضع التي أمر بها ليس فيها خمس، فإذا جاء خمس وقع بين المسلمين جميعًا).

وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. أصل عظيم من أصول هذه الشريعة العظيمة، ومنهاج قويم لبناء أمة قوية كريمة.

قال الحسن: ({وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} قال: يؤتيهم الغنائم ويمنعهم الغلول). وقال السدي: (ما أعطاكم من مال الفيء فاقبلوه، وما منعكم منه فلا تطلبوه). وقال ابن جُريج: (ما آتاكم من طاعتي فافعلوه، وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه). وقال الماوردي: (وقيل إنه محمول على العموم في جميع أوامره ونواهيه، لا يأمر إلا بصلاح ولا ينهى إلا عن فساد).

أخرج البخاري ومسلم وأحمد وأصحاب السنن في عَلْقَمةَ: [عن عبد اللَّه قال: لَعَنَ اللَّهُ الواشِمات والموتَشِماتِ، والمُتَنَمِّصاتِ والمُتَفَلِّجاتِ للحُسْنِ، المُغَيِّراتِ خَلْقَ اللَّه، فبلغ ذلك امرأةً من بني أسَدٍ يُقال لها: أُمُّ يعقوبَ، فجاءت فقالت: إنه بَلَغَني أنّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وكَيْتَ، فقال: ومالي لا ألْعَنُ مَنْ لعَنَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومَنْ هو في كتابِ اللَّهِ؟ فقالت: لقد قَرَأْتُ ما بين اللّوْحَيْن فمَا وجدتُ فيه ما تقولُ، فقال: لئِنْ كُنْتِ قَرأتِيه لقد وَجَدْتيه، أما قرأت: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه، قالت: فإني أرى أهلكَ يَفْعَلونه، قال: فاذهبي

<<  <  ج: ص:  >  >>