في هذه الآيات: تسبيحُ جميع الكائنات للَّه العزيز الحكيم، وتحذير المؤمنين أن يقولوا ما لا يفعلون، والتنبيه على فضل الجماعة في قتال المشركين.
فقوله:{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}. إخبار من اللَّه تعالى أن جميع ما في السماوات والأرض من شيء ينزِّهُه ويمجّده ويعظمه ويقدّسه، ويُسَبِّح ويصلي له ويُوَحِّده. كقوله:{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}[الإسراء: ٤٤].
وقوله:{وَهُوَ الْعَزِيزُ}. أي: منيعُ الجناب قد عزّ كل شيء وغلبه. {الْحَكِيمُ} في أقواله وأفعاله وتدبيره وقدره وشرعه.
وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}. إنكار بليغ على حصول الطلاق بين القول والعمل في حياة المؤمنين.
روى مسلم في صحيحه عن أبي حَرْب بنِ أبي الأسود، عن أبيه قال: [بُعِثَ أبو موسى الأشعري إلى قُرّاء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثُ مئة رَجُلٍ قد قَرؤوا القُرآن، فقال: أنتم خِيارُ أهل البصرة وَقُرَّاؤُهم، فَاتْلوهُ، ولا يَطولَنَّ عليكم الأمدُ فَتَقْسُوَ قلوبُكم كما قسَتْ قلوبُ مَنْ كان قبلكم، وإنا كُنَّا نَقْرأُ سُورةً، كُنَّا نُشَبِّهُهَا في الطول والشِّدة بسورة براءةَ، فَأُنْسِيتُها، غَيْرَ أني قد حَفِظْتُ مِنها: لو كان لابن آدم واديانِ مِنْ مالٍ لابْتَغى واديًا ثالثًا، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابنِ آدمَ إلا الترابُ، وكُنَّا نَقْرَأُ سُورةً