وفي الصحيحين عن ابن عباس: أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يدعو عند الكرب:[لا إله إلا اللَّه الحليم الحكيم، لا إله إلا اللَّه ربُّ العرش العظيم. لا إله إلا اللَّه ربُّ السماوات والأرض ورب العرش الكريم](١).
وقوله:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ}. قال ابن عباس:(الأميّون العرب كلهم، من كتب منهم ومن لم يكتب، لأنهم لم يكونوا أهل كتاب). وقيل: الأميّون الذين لا يكتبون. وكذلك كانت قريش. وقوله:{رَسُولًا مِنْهُمْ} يعني محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم-. وما من حَيّ من العرب إلا ولرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيهم قرابة وقد وَلدوُه. قال ابن إسحاق:(إلا حيّ تَغْلِب، فإن اللَّه تعالى طَهَّر نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منهم لِنَصْرانِيَّتهم، فلم يجعل لهم عليه ولادة. وكان أميًا لم يقرأ من كتاب ولم يتعلم -صلى اللَّه عليه وسلم-).
قال الماوردي (٦/ ٦): (فإن قيل ما وجه الامتنان بأن بعث نبيًا أميًّا؟ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: أحدها: لموافقته ما تقدمت به بشارة الأنبياء. الثاني: لمشاكلة حاله لأحوالهم، فيكون أقرب إلى موافقتهم. الثالث: لينتفي عنه سوء الظن في تعليمه ما دعا إليه من الكتب التي قرأها والحكم التي تلاها).
وكونه بعث في الأميين -أي العرب- لا ينفي عموم بعثته للعالمين، وإنما يكون وجه الامتنان من اللَّه على قومه أبلغ وأكثر، وهذه الآية مصداق إجابة دعوة إبراهيم عليه السلام:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[البقرة: ١٢٩]. فبعثه اللَّه على حين فترة من الرسل، وطموس في السبل، وقد اشتدت الحاجة إليه.
وقوله:{يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}. فيه البدء بتزكية النفس لتتحمل لوازم العلم، فإن الإيمان أولًا ثم طلب العلم يكون يعقبه، كما قال بعض السلف:(تعلمنا الإيمان، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانًا). فقوله:{يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} يعني القرآن. قال ابن عباس: ({وَيُزَكِّيهِمْ} أي يجعلهم أزكياء القلوب
(١) حديث صحيح. انظر صحيح البخاري (٦٣٤٥)، (٦٣٤٦)، وصحيح مسلم (٢٧٣٠)، كتاب الذكر والدعاء، وصحيح سنن الترمذي (٢٧٣٢)، ورواه ابن ماجة (٣٨٨٣).