ما كرهه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من اجتنابه جاريته، وتحريمها على نفسه، أو تحريم ما كان له حلالًا مما حرّمه على نفسه سبب حفصة).
وقال القرطبي:({إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} يعني حفصة وعائشة، حَثَّهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أي زاغت ومالت عن الحق. وهو أنهما أحَبَّتَا ما كرِهَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من اجتناب جاريته واجتناب العسل، وكان عليه السلام يحبّ العسل والنساء).
وقوله:{وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ}. أي تتظاهرا على النبي وتتعاونا عليه بالمعصية والإيذاء. قال الضحاك:({وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} يقول: على معصية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأذاه). وقوله:{فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}. أي: اللَّه وليّه وناصره، فلا يضره ذلك، التظاهر منهما، وكذلك جبريل وليه، وكذلك {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}. قال عكرمة:(أبو بكر وعمر). فقد كانا عونًا له عليهما وهما أبوا عائشة وحفصة. وقيل: خيار المؤمنين. وقيل الأنبياء. وقال السدي:(هم أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-). قلت: واللفظ يعمّ من صيح من المؤمنين ممن آمن وعمل صالحًا.
وقوله:{وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}. أي: والملائكة على تكاثر عددهم بعد نصرة اللَّه وجبريل وصالحي المؤمنين {ظَهِيرٌ} فوج مظاهر له، أعوان على من آذاه، وأراد مساءته، فما يبلغ تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه.
روى مسلم في صحيحه عن سِمَاكٍ أَبي زُمَيْلٍ: حدَّثني عبد اللَّه بن عباس: حدّثني عمر بن الخطاب قال: [لمّا اعتزَلَ نبيُّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نِساءه قال: دخلتُ المسجِدَ، فإذا الناس يَنْكُتون بالحصى ويقولون: طَلَّق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نِساءه، وذلك قبل أَنْ يُؤمَرْنَ بالحجاب -قال عمر- فقلت: لأَعْلَمَنَّ ذلك اليوم -قال-: فَدَخَلْتُ على عائشةَ، فقلت: يا بِنْتَ أبي بكر! أقَدْ بلغَ مِنْ شأنِكِ أَنْ تُؤذي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقالت: مالِي ومالَكَ يا ابْنَ الخَطّاب؟ عَليكِ بِعَيْبَتِكَ (١). قال: فدخَلْتُ على حفصةَ بنتِ عمرَ، فقلت لها: يا حفصةُ! أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شأنِكِ أَنْ تؤذي رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ اللَّه! لقد عَلِمْتِ أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يُحِبُّكِ، ولولا أنا لَطَلَّقَكِ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبَكَتْ أشدَّ البُكاء، فقلت لها: أينَ
(١) المراد عليك بوعظ ابنتك حفصة. والعيبة في لغة العرب: وعاء يجعل الإنسان فيه أفضل ثيابه ونفيس متاعه، فشبهت ابنته بها.