في هذه الآيات: أمْرُ اللَّه تعالى نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمجاهدة الكفار والمنافقين أصحاب الجحيم، وضَرْبه تعالى المثل بامرأة نوح وامرأة لوط في خيانتهما منهاج النبوة لتكونا يوم القيامة في النار مع الداخلين.
فقوله:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}. قال قتادة:(أمر اللَّه نبيه عليه الصلاة والسلام أن يجاهد الكفار بالسيف، ويغلظ على المنافقين بالحدود). فجهاد الكفار بالسلاح والقتال، وجهاد المنافقين بالوعيد واللسان وبإقامة الحدود عليهم.
وقوله:{وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}. قال قتادة:(يقول: واشدد عليهم في ذات اللَّه). وقوله:{وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. أي: ومكثهم جهنم ومستقرهم إلى النار، وبئس القرار والموضع الذي يصيرون إليه نار السعير.
وقوله:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا}. قال ابن كثير:(أي: في مخالطتِهم المسلمين ومُعَاشَرتهم لهم، أنَّ ذلك لا يُجْدي عنهم شيئًا، ولا ينفعهم عند اللَّه، إن لم يكن الإيمان حاصلًا في قُلوبهم، ثم ذكر المثل فقال:{امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ}، أي: نبيَّين رسُولَين عندهما في صُحبتهما ليلًا ونهارًا، يؤاكلانهما ويضاجعانهما ويعاشرانهما أشدَّ العشرة والاختلاط).
وقوله:{فَخَانَتَاهُمَا}، أي في الدين، لم يوافقاهما على الإيمان والرسالة. وليس المقصود الزنا أو الفاحشة، فإن نساء الأنبياء معصومات عن ذلك لحرمة الأنبياء. قال ابن عباس:(ما بغت امرأة نبي قط. إنما كانت خيانتهما في الدين). وقال عكرمة:(وكانت خيانتهما أنهما كانتا مشركتين). وقال الضحاك:(كانتا مخالفتين دين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كافرتين باللَّه).
يروي ابن جرير بإسناده عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قيس، عن ابن عباس: (قوله {فَخَانَتَاهُمَا}: قال: كانت امرأة نوح تقول للناس: إنه مجنون.