وقوله تعالى:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}. استفهام إنكار. أي: أفنساوي بين أهل الكرامة والطاعة وأهل الشقوة والمعصية في الجزاء، كلا لا يكون ذلك وربّ الأرض والسماء.
وقوله تعالى:{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}. توبيخ على طريقة الالتفاف. قال النسفي:({مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} هذا الحكم الأعوج، وهو التسوية بين المطيع والعاصي، كأن أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا بما شئتم).
وقوله تعالى: {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ}. أي: أم بأيديكم كتاب منزل من السماء تدرسونه وتحفظونه وتتداولونه بنقل الخلف عن السلف، متضمن حكمًا مؤكدًا كما تَدَّعُونه -المطيع فيه كالعاصي- فأنتم تختارون منه كما تشتهون؟ !
وقوله:{أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}. زيادة في التوبيخ. أي: أم لكم {أَيْمَانٌ} أي عهود ومواثيق {عَلَيْنَا بَالِغَةٌ} مؤكدة، فأنتم استوثقتم بهذه العهود على اللَّه تعالى في أن يدخلكم الجنة! ! قال الشهاب:(بالغة: متناهية في التوكيد). وأصله بالغة أقصى ما يمكن، فحذف منه اختصارًا. وقوله:{إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} أي: إنه سيكون لكم ما تريدون وتأملون وتشتهون! ! كلا، ليس الأمر بهذه السذاجة كما تظنون وتحلمون.
وقوله تعالى:{سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ}. قال ابن عباس:(يقول: أيهم بذلك كفيل). والزعيم: الكفيل والضّمين. والمقصود: سل يا محمد هؤلاء المتقوّلين من المشركين أيهم كفيل بما تقدّم: من أن لهم من الخير ما للمسلمين، أو أنّ لهم من العهود والمواثيق ما يحصل لهم به سعادة الدارين؟ !
وقوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ}. أي: أم لهم شركاء من الأصنام والأنداد والطواغيت فهم لهم شهداء {فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ} فليشهدوا لهم على ما زعموا {إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} في دعواهم. قال القرطبي:(وقيل: أي فليأتوا بشركائهم إن أمكنهم، فهو أمر معناه التعجيز).