للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحسنتم الاستغفار والإنابة إليه سقاكم من غيث كثير متتابع إنه هو البرّ الرحيم. وقال النسفي: ({مِدْرَارًا} كثيرة الدّرور).

يروي ابن جرير بإسناده عن الشعبي قال: (خرج عمر بن الخطاب يستسقي، فما زاد على الاستغفار، ثم رجع فقالوا: يا أمير المؤمنين ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح (١) السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}، وقرأ الآية التي في سورة هود حتى بلغ: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: ٥٢]).

وقال الأوزاعي: (خرج الناس يستسقون، فقام فيهم بلال بن سعد فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: اللهم إنا سمعناك تقول: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١] وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟ ! اللهم اغفر لنا وارحمنا واسقنا! فرفع يديه ورفعوا أيديهم فَسُقوا).

وقوله تعالى: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}.

قال قتادة: (علم نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنهم أهل حرص على الدنيا فقال: هلمّوا إلى طاعة اللَّه، فإن في طاعة اللَّه درك الدنيا والآخرة).

وقال ابن صبيح: (شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له: استغفر اللَّه. وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر اللَّه. وقال له آخر: ادع اللَّه أن يرزقني ولدًا، فقال له: استغفر اللَّه. وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر اللَّه. فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئًا، إن اللَّه تعالى يقول في سورة "نوح": {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}).

قال ابن كثير: (أي: إذا تُبْتم إلى اللَّه واستغفرتموه وأطعتموه كَثُرَ الرزقُ عليكم، وأسقاكم من بَرَكات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبتَ لكم الزرعَ، وأدرَّ لكم الضَّرعَ، وأمدَّكم بأموال وبنينَ، أي: أعطاكمُ الأموالَ والأولادَ، وجعل لكم جناتٍ فيها أنواع الثمار، وخَلَّلهَا بالأنهار الجارية بينها).

وقوله تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}. ترهيب بعد ترغيب. وفيه أقوال متقاربة:


(١) المجدح: نجم من النجوم، وهو عند العرب من الأنواء الدالة على المطر، فجعل الاستغفار مشبهًا بالأنواء مخاطبة بما يعرفونه لا قولًا بالأنواء. اهـ ابن الأثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>