في هذه الآيات: بثُّ نوحٍ -عليه السلام- الشكوى إلى اللَّه العظيم، عما يلقاه من عصيان قومه واتباعهم الهوى وتعظيم الأصنام وما يملي لهم الشيطان الرجيم، وأهل الدنيا والشهوات وَمَنْ مُتِّعَ بأموال وبنين.
فقوله تعالى:{قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي}. قال القرطبي:(شكاهم إلى اللَّه تعالى، وأنهم عصوه ولم يتّبعوه فيما أمرهم به من الإيمان).
وقوله:{وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا}. أي واتبعوا ساداتهم وأغنياءهم وكبراءهم من أبناء الدنيا والشهوات ممن لم يزدهم كفرهم وأموالهم وأولادهم إلا ضلالا في الدنيا وهلاكًا في الآخرة.
وقوله تعالى:{وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا}. قال مجاهد:(عظيمًا). وقال ابن زيد:(كثيرًا).
قال المبرد:({كُبَّارًا} بالتشديد للمبالغة)(١).
والمقصود: مكروا مكرًا كبيرًا عظيمًا، في إصرارهم على الكفر والكبر، وتحريشهم السفلة على قتل نوح ومحاصرة دعوته.
أي: وقال الرؤساء لسفلتهم حافظوا على آلهتكم ولا تتركوا هذه الأنصاب وعظموها.
قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى: أخبرنا هشامٌ عن ابنِ جُرَيجٍ. وقال عطاءٌ عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: [صارت الأوثان التي كانت في قوم نوحٍ في العرب بعْدُ، أَمَّا وَدٌّ: فكانت لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الجَنْدَل، وأما سُوَاعٌ: فكانت لِهُذَيْلٍ، وأمّا يغوثُ:
(١) وفي لغة العرب: أمر عجيب وعُجَاب وعُجَّاب، ورجل طويل وطُوَال وطوَّال، وشاب حسن وحُسَّان، وجميل وَجُمَّال، ونحو ذلك بالتخفيف والتشديد، بمعنى واحد.