للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود: كأن هؤلاء المشركين في نفِارهم عن الحق وإعراضهم عنه كحمر الوحش وهي تشتد هاربة من الأسد أو الرماة يريدون صيدها.

وقوله تعالى: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً}. أي: كتبًا مفتوحة موجهة إليهم من رب العالمين، يقال لهم فيها: إني قد أرسلت إليكم محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- فاتبعوه.

قال مجاهد: ({بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً} قال: إلى فلان من ربّ العالمين).

وقال قتادة: (قد قال قائلون من الناس: يا محمد إن سرّك أن نتبعك فائتنا بكتاب خاصة إلى فلان وفلان، نؤمر فيه باتباعك. قال قتادة: يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل). أو المعنى: يريد كل واحد منهم أن ينزل عليه كتاب كما أنزل علي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، كقوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} [الأنعام: ١٢٤]. وكقوله تعالى: {وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} [الإسراء: ٩٣].

وقوله تعالى: {كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ}. قال قتادة: (إنما أفسدهم أنهم كانوا لا يصدّقون بالآخرة، ولا يخافونها، هو الذي أفسدهم). قال القاسمي: ({كَلَّا} أي لا يكون مرادهم، ولا يتبع الحق أهواءهم. أو ليس إرادتهم تلك للرغبة في الإيمان، فقد جاءهم ما يكفيهم عن اقتراح غيره، وإنما هم مردة الداء، ولذا قال: {بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ} أي لا يؤمنون بالبعث والجزاء، ولا يخشون العقاب، لإيثارهم العاجلة).

وقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ}. قال قتادة: (أي القرآن). أي حقًا إن القرآن تذكرة وعظة.

وقوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}. أي: فمن شاء اتعظ وعمل بما فيه من أمر اللَّه ونهيه، واستعدّ للقاء ربه.

وقوله: {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}. ترويحٌ لقلب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مما كان يخامرهُ من إعراضهم، وتسلية له عما يلقاه من كبرهم وعنادهم وهو يحرص على إيمانهم.

والمعنى: ليس يقدرون على الاتعاظ والتذكير إلا بمشيئة اللَّه لهم. وهو كقوله سبحانه: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠].

وقوله: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ}. قال قتادة: (ربنا حقوق أن تتقى محارمه،

<<  <  ج: ص:  >  >>