في هذه الآيات: امتنانُ الرحمن عز وجل على نبيهِ الكريم، بما نزل عليهِ من هذا التنزيل العظيم، ودعوته للاستعانة بالصبر والصلاة على مكر المجرمين، الذين توعدهم اللَّه سوء العذاب يوم الدين.
فقوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا}. قال ابن عباس:(أنزل القرآن متفرّقًا: آية بعد آية، ولم ينزل جملة واحدة، فلذلكَ قال:{نَزَّلْنَا}).
قال النسفي:({إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} تكرير الضمير بعد إيقاعه اسمًا لإنّ تأكيد على تأكيد لمعنى اختصاص اللَّه بالتنزيل ليستقر في نفس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه إذا كان هو المنزل لم يكن تنزيلهُ مفرقًا إلا حكمة وصوابًا ومن الحكمةِ الأمر بالمصابرة).
وقوله:{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ}. قال ابن عباس:(اصبر على أذى المشركين، هكذا قضيت).
قال ابن كثير:(أي: كما أكرمتُكَ بما أنزلتُ عليكَ فاصبر على قضائه وقدره، واعلم أنه سَيُدَبِّرُكَ بِحُسْنِ تدبيره).
وقوله:{وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}. الآثم الفاجر في أفعاله، والكفور: الكافر بقلبه. قال ابن جرير:(يقول: ولا تطع في معصية اللَّه من مشركي قومكَ آثمًا يريدُ بركوبه معاصيه، أو كفورًا: يعني جحودًا لنعمه عنده، وآلائه قبله، فهو يكفر به، ويعبد غيره).
وقوله:{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}. أي: واذكر -يا محمد- ربك فادعهُ بكرة في صلاة الصبح، وعشيًا في صلاة الظهر والعصر. قال ابن زيد:(بكرة: صلاة الصبح. وأصيلًا: صلاة الظهر الأصيل). وقيل: هو الذكر المطلق سواء كان في الصلاة أو في غيرها.
وقوله تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا}. قال ابن عباس:(يعني الصلاة والتسبيح). قال القرطبي:({وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ} يعني صلاة المغرب والعشاء الآخرة. {وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} يعني التطوع في الليل، قاله ابن حبيب).
وقوله:{إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ}. توبيخ وتقريع لكفار مكة الذين آثروا العاجلة وهي الدنيا الفانية على الآخرة الباقية، فهم يحبون البقاء فيها وتعجبهم زينتها.