بالوحي بين اللَّه ورسوله، من السفارة، وهي السعي بين القوم. وعن مجاهد:({بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} قال كَتَبَة). وقال ابن زيد:(السفرة الذين يحصون الأعمال). والمعنى الأول أنسب، فهم الملائكة يسفرون بين اللَّه ورسوله بالوحي، واختاره ابن جرير.
وقوله تعالى:{كِرَامٍ بَرَرَةٍ}. قال ابن عباس:(يعني الملائكة). والبررة: جمع بارّ، والمقصود: ملائكة كرام على ربهم، أتقياء مطيعون لربهم، صادقون في إيمانهم.
وفي الصحيحين والمسند من حديث عائشة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:[مَثَلُ الذي يَقْرأ القرآنَ وهو حافِظٌ له مع السَّفرة الكرامِ البَرَرَة، ومَثَلُ الذي يَقْرَأُ القرآن وهوَ يتعاهَدُهُ وهو عليه شديدٌ فلهُ أجران](١).
في هذه الآيات: تَعَجُّبٌ من كفر الإنسان مع إحسان اللَّه إليه، وقد خلقه وأعطاه وأماته وأقبره ثم سيقف بين يديه، وقد ضيع العمر وتجاهل النعم الجليلة التي لا تحصى من الطعام والماء والنبات والفواكه والثمار والحدائق له ولأنعامه التي سخّرها إليه.
فقوله تعالى:{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}. قال سفيان:(بلغني أنه الكافر). قال ابن جرير:(يقول تعالى ذكره: لعن الإنسان الكافر ما أكفره! . وفي قوله {مَا أَكْفَرَهُ} وجهان: أحدهما: التعجب من كفره، مع إحسان اللَّه إليه، وأياديه عنده. والآخر: ما الذي أكفره، أي: أيُّ شيء أكفره؟ ).
بيانٌ لحقارة الشيء الذي خلقه اللَّه منه، ثم هو يتكبر ويتعظم عن طاعة ربه والإقرار بتوحيده والرجوع إليه يوم المعاد.
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٩٣٧) - عند تفسير هذه الآية - كتاب التفسير - سورة عبس. وأخرجه مسلم (٧٩٨)، وأحمد (٦/ ٤٨)، والترمذي (٢٩٠٤)، وأبو داود (١٤٥٤)، وابن ماجة (٣٧٧٩)، والدارمي (٢/ ٤٤٤)، وابن أبي شيبة (١٠/ ٤٩٠)، وغيرهم.