عنه- حينَ ثَوَّب المُثَوِّبُ بصلاة الصبح (١) فقال: أين السائلون عن الوَتْرِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}، هذا حينُ وَتْرٍ حَسَن).
قلت: والإعجاز القرآني يحتمل الوجهين، فإن لفظة {عَسْعَسَ} تستعمل في الإقبال والإدبار، والسياق يدل على ذلك أيضًا، فإن قوله تعالى في الآية بعدها:{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} أي طلع وأضاء وأقبل. فتكون المقابلة بين الآيتين: والليل إذا أدبر، والصبح إذا أقبل. أو والليل إذا أظلم، والصبح إذا أشرق - واللَّه تعالى أعلم.
وقوله تعالى:{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}. أي: أقبل بروح ونسيم، وأضاء بنور عميم. قال الضحاك:({وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}، قال: إذا طلع). وقال قتادة:(إذا أضاءَ وأقبل). وقال سعيد بن جبير:(إذا نشأ).
وفي لغة العرب: تنفَّس الصبح تَبَلَّج، والتنفُّس: خروج النسيم من الجوف. وقيل للنهار إذا زاد: تنفّس، والمقصود: والصبح إذا امتد بنسيمه وضيائه حتى يصير نهارًا واضحًا.
وقوله تعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}. هذا جواب القسم. والرسول الكريم: جبريل عليه السلام. والمعنى: إنّ هذا القرآن لقول رسول عن اللَّه كريم على اللَّه. قال ابن عباس وقتادة:(يعني جبريل). قال ابن كثير:(يعني: إن هذا القرآن لتبليغُ رسولٍ كريم، أي: مَلَكٍ شريف حَسَن الخَلْقِ، بَهِيّ المنظر، وهو جبريل عليه الصلاة والسلام).
وقوله تعالى:{ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ}. أي: هو ذو قدرة عالية، ومكانة مكينة رفيعة، عند اللَّه جلت عظمته.
وفي التنزيل نحو ذلك: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ} [النجم: ٥ - ٦].
قال النسفي:({ذِي قُوَّةٍ} قدرة على ما يكلف لا يعجز عنه ولا يضعف {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ} عند اللَّه {مَكِينٍ} ذي جاه ومنزلة، ولما كانت حال المكانة على حسب حال المكين قال: عند ذي العرش، ليدل على عظم منزلته ومكانته).
وقوله تعالى:{مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}. أي مطاع هناك بين الملائكة يرجعون إليه ويطيعونه، مؤتمن على الوحي وغيره. يعني جبريل عليه السلام. قال قتادة: ({مُطَاعٍ ثَمَّ}، أي في
(١) ورواه ابن جرير بلفظ: (بعدما أذن المؤذن بالصبح). وفي آخره: (نِعْمَ ساعة الوتر هذه).