وقوله تعالى:{ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}. أي: ثم يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ، والتصغير والتحقير: هذا التكذيب للرسل في الدنيا أوصلكم إلى عذاب السعير.
في هذه الآيات: تثبيتُ كتاب الأبرار في عليين، وإثبات نضارة وجوههم يوم الدين، فهم في الملذات في جنات النعيم.
فقوله تعالى:{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ}. أي حقًا إن كتاب الأبرار مختلف عن كتاب الفجار، فهؤلاء كتابهم في عليين، وأولئك كتابهم في سجين. والأبرار: جمع بَرّ، وهم الذين بروا اللَّه بأداء فرائضه، واجتناب محارمه. و {عليون} معناه علوّ في علوّ مضاعف، كأنه لا غاية له. قال النسفي:(هو علم لديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين، منقول من جمع عِلِّيّ، فِعِّيل من العلو، سمي به لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة، أو لأنه مرفوع في السماء السابعة).
يروي ابن جرير بسنده عن هلال بن يساف، قال: سأل ابن عباس كعبًا وأنا حاضر عن العليين، فقال كعب:(هي السماء السابعة، وفيها أرواح المؤمنين). وقال قتادة:(في السماء العليا). وقال الضحاك:({لَفِي عِلِّيِّينَ}: في السماء عند اللَّه).
وفي سنن أبي داود ومسند أحمد من حديث البراء مرفوعًا -في ارتفاع روح المؤمن بعد نزعها إلى طبقات السماء-: [فيشيعه من كل سماء مقربوها، إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول اللَّه عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (١٩) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ}، فيكتب كتابه في عليين] (١).
وقوله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ}. أي: وما أعلمك يا محمد أيّ شيء عِلّيون؟
(١) حديث صحيح. وهو جزء من حديث رواه أبو داود (٢/ ٢٨١)، وأحمد (٤/ ٢٨٧ - ٢٨٨)، والحاكم (١/ ٣٧ - ٤٠)، والطيالسي (٧٥٣)، وقد مضى، وإسناده صحيح.