للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانوا أشدَّ الناس في زمانهم خِلْقَةً وأقواهم بَطْشًا، ولهذا ذَكَّرهم هودٌ بتلك النعمة وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم، فقال: {لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: ٦٩]. وقال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: ١٥]. وقال هاهنا: {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ}، أي: القبيلة التي لم يُخلق مثلُها في بلادهم، لقوتهم وشِدَّتهم وعظم تركيبهم).

وقوله تعالى: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ}. أي: وثمود الذين كانوا ينحتون الجبال وينقبونها بيوتًا يسكنون فيها. وواديهم هو الحِجْر، أو وادي القرى، على طريق الشام من المدينة المنورة. وفي لغة العرب: اجتاب الثوب أي فتحه، ومنه الجيب.

و{جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ}: أي يقطعون الصخر بالوادي. قال ابن عباس: (ينحتونها ويخرقونها). وقال قتادة: (جابوها ونحتوها بيوتًا).

وهو كما قال تعالى: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} [الشعراء: ١٤٩].

وقوله تعالى: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ}. أي: وفرعون صاحب الأوتاد. قيل: هي الأهرام التي بناها الفراعنة لتكون لهم قبورًا بعد موتهم، وسخروا في بنائها أقوامهم. وقيل: ذي الجنود الذين لهم خيام كثيرة يشدونها بالأوتاد. وقيل غير ذلك.

فعن ابن عباس: (الأوتاد: الجنود الذين يشدون له أمره، ويقال: كان فرعون يوتد في أيديهم وأرجلهم أوتادًا من حديد، يعلقهم بها). وقال عبد الرحمن بن زيد: (كانت له صخرة ترفَعُ بالبكرات، ثم يؤخذ الإنسان فتوتد له أوتاد الحديد، ثم تُرسل تلك الصخرة عليه فتشدخه).

قلت: والراجح بوصف فرعون {ذِي الْأَوْتَادِ} أي: صاحب الجنود والعساكر والجموع والجيوش الكثيرة والعُدَد الرهيبة التي تشدّ ملكه، وهذا يعمّ كل ما سبق.

وقوله تعالى: {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ}. صفة لِعَادٍ وثمود وفرعون، أي: طغت كل طائفة منهم في بلادهم، وتمردوا وعَتوا وعاثوا في الأرض بالفساد والإفساد والأذِيَّة للناس.

وقوله تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ}. أي: فأفرغ عليهم ربك وألقى على تلك الطوائف عذابًا موجعًا. وهو من قول العرب: صَبَبْتُ السوط على المجرم، أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>