للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاسمي: ({وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} أظهر الشمس. وذلك عند انتفاخ النهار وانبساطه. لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء). قلت: وهذه الأقسام كلها في تعظيم النور والضياء ليلتفت الإنسان إلى قيمة هذه النعمة الجليلة وآثارها في الإيمان والعلم، والنور والهداية في القلب، وإشراقة النفس.

وقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}. قَسَمٌ من اللَّه بالليل إذا يغشى الشمسَ حين تغيبُ فتظلمُ آلافاق. قال القرطبي: ({وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} أي يغشى الشمس، فيذهب بضوئها عند سقوطها، قاله مجاهد وغيره. وقيل: يغشى الدنيا بالظُّلَم، فتُظلم الآفاق. فالكناية ترجع إلى غير مذكور).

وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا}. فيه تأويلان حسب وقوع "ما" من الإعراب:

التأويل الأول: "ما" مصدرية. والتقدير: والسماء وبنيانها، أو: والسماء وبنائِها. كقوله تعالى: {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} [يس: ٢٧] أي بغفران ربي. قال قتادة: ({وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} وبناؤها: خَلْقُها).

التأويل الثاني: "ما" بمعنى "مَنْ". والتقدير: والسماء وبانيها، أو: والسماء ومَنْ بناها. قال مجاهد: ({وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} قال: اللَّه بنى السماء). قلت: واختار التأويل الثاني ابن جرير، وكلا التأويلين صحيح.

وقوله تعالى: {وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا}. الطَّحْوُ: البسط -قال الجوهري: طَحَوْتُه مثل دَحَوْتُه، أي: بسطته-. والمقصود: قسَمٌ من اللَّه بالأرض التي بُسطت من كل جانب. وعن مجاهد: ({وَمَا طَحَاهَا} دحَاها). وعن ابن عباس: ({وَمَا طَحَاهَا} أي: خلق فيها). أو قال: (قسَّمها). وقال ابن زيد: (بسَطها).

قلت: ومفهوم الطَّحْو والدَّحْو للأرض يفيد بسطها وتمهيدها للسكنى للضرب في أكنافها والتقلب في أقطارها، كما يشير اللفظ إلى كروية شكلها، واللَّه تعالى أعلم.

وقوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}. قَسَمٌ من اللَّه تعالى بالنفس وتسويتها، أو بالنفس ومن سوّاها، حسب وقوع "ما" من الإعراب كما سبق. والمعنى: يقسم تعالى بالنفس التي أنشأها وسوّى أعضاءها وركب فيها الروح، وأودعها القوى النفسية الهائلة، والإدراكات الحسية العجيبة، وجعلها مستقيمة على الفطرة القويمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>