للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن سعيد عن قتادة: ({فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} قال: يهوي في النار على رأسه). وعن ابن عباس: ({فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} وهو مثلها، وإنما جعلت النار أمُّه، لأنها صارت مأواه، كما تؤوي المرأة ابنها، فجعلها إذ لم يكن له مأوى غيرها، بمنزلة أمّ له).

و{هَاوِيَةٌ} اسم من أسماء النار. قال ابن زيد: (الهاويةُ: النار، هي أمُّه ومأواه التي يرجع إليها ويأوي إليها، وقرأ: {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ}).

وفي سنن النسائي بسند صحيح من حديث أبي هريرة، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إذا حُضِرَ المؤمن أتَتْهُ ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخْرُجي راضيةً مَرْضيًا عنك، إلى رَوْحِ اللَّه ورَيْحان، وربٍّ غَيْرِ غضبان، فتخرج كأطيب ريح المِسك، حتى أنَّه لَيُناوِلُهُ بَعْضُهم بَعْضًا، حتى يأتون به بابَ السماء، فيقولون: ما أطْيَبَ هذه الريح، التي جاءتكم من الأرض، فيأتونَ به أرواحَ المؤمنين، فلهم أشدُّ فَرَحًا به من أحَدِكُمْ بغائبه يَقْدَمُ عليه. فيسألونه: ماذا فعل فُلان، ماذا فعلَ فُلان؟ فيقولون: دعوه فإنه كان في غمِّ الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذُهِبَ به إلى أُمِّهِ الهاويةِ] الحديث (١).

وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ}. استفهام للتهويل والتفظيع، ببيان أنها خارجة عن المعهود بحيث لا يدرى كنهها.

وقوله تعالى: {نَارٌ حَامِيَةٌ}. أي: قد انتهى حرّها وبلغ في الشدة غايته، فهي شديدة الحرّ، قوية اللهيب والسعير.

قال ابن جرير: (يعني بالحامية: التي قد حميت من الوقود عليها).

وقد جاء تفصيل ذلك في أحاديث من السنة المطهرة:

الحديث الأول: أخرج الشيخان عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [ناركم جزء من سبعين جُزءًا من نار جهنم. قيل: يا رسول اللَّه! إن كانت لكافية. قال: فُضِّلت عليهن بتسعة وستين جزءًا كلهنَّ مثلُ حرّها] (٢).

وفي رواية: [ناركم هذه التي توقد بنو آدم، جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنم].


(١) حديث صحيح. انظر صحيح سنن النسائي (١٧٢٩) - كتاب الجنائز. باب ما يلقى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه. ورواه الحاكم وابن حبان. انظر: صحيح الجامع (٥٠٤).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٢٦٥)، وأخرجه مسلم (٢٨٤٣). وانظر: مختصر صحيح مسلم (١٩٧٦)، وكتابي: أصل الدين والإيمان (٢/ ٧٦٠) - لتفصيل البحث. وانظر لرواية أحمد: المسند (٢/ ٤٦٧)، وإسناده على شرط مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>