في هذه الآيات: يقسم اللَّه سبحانه بالوقت -وهو العمر- أن الإنسان مظنة الخسران، إلا إن كان من أهل الإيمان والعمل الصالح والشكر للَّه بمقابلة الإحسان بالإحسان، وكان من أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -في جماعة الحق- أهل الصبر على الغربة والمحن عبر الأيام.
فقوله تعالى:{وَالْعَصْرِ}. قسَمٌ من اللَّه سبحانه بالدهر. وعن ابن عباس:({وَالْعَصْرِ} قال: العصر: ساعة من ساعات النهار). وقال الحسن:(هو العشي).
قلت: والراجح الأول وهو عموم الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم، من خير وشر. فأقسم تعالى بالزمان لما في مروره من أصناف العجائب. قال القرطبي:(أيّ عصر أقسم اللَّه به عز وجل، لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدّلها، وما فيها من الدلالة على الصانع).
وقوله تعالى:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}. هو جواب القسم. ويعني بالإنسان جنس الناس. قال الأخفش:({لَفِي خُسْرٍ}: لفي هَلكَةٍ). وقال الفراء:(عقوبة). قال ابن جرير:(يقول: إن ابن آدم لفي هلكة ونقصان). وقيل: لفي غَبْن. وقال ابن زيد:(لفي شر). والمعنى متقارب. وهو كقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}.
وقوله:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}. استثناء من الإنسان، الذي هو مظنة الخسران. قال ابن كثير:(فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم).