عدده، كقوله تعالى:{وَجَمَعَ فَأَوْعَى}). وقال محمد بن كعب:({جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ}، ألهاه مالُه بالنهار، هذا إلى هذا، فإذا كان الليلُ نام كأنه جيفة).
وقوله تعالى:{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ}. أي: يظن أن ما جمع من المال يخلِّده في هذه الدار. فهو لشدة إعجابه بماله، أعماه ذلك عن التفكر بمآله.
وقوله تعالى:{كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}. أي: ليس الأمر على ما يحسبه بل لَيُطْرَحَنَّ هو وماله في النار التي تهشم كل ما يلقى فيها وتحطمه. قال ابن جرير:(والحطمة: اسم من أسماء النار، كما قيل لها: جهنم وسقر ولظى، وأحسبها سميت بذلك لحطمها كل ما ألقي فيها، كما يقال للرجل الأكول: الحطمة).
وقوله تعالى:{نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ}. أي: التي أوقد عليها الأحقاب الطويلة، فهي غير خامدة، أعدّها اللَّه للعصاة.
وقوله تعالى:{الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}. أي: يخلص حرّها إلى القلوب فيعلوها ويغشاها، فيكون ألمها بحسب ما حوت تلك الأفئدة من المقاصد الخبيثة والنيات الزائغة الفاسدة، وسَيِّئِ الأخلاق من الكبر، واحتقار أهل الفضل، والنفاق والرياء وغير ذلك. قال محمد بن كعب:(تأكل النار جميع ما في أجسادهم، حتى إذا بلغت إلى الفؤاد، خُلِقوا خلقًا جديدًا، فرجعت تأكلهم).
وقال النسفي:({الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} يعني أنها تدخل في أجوافهم، حتى تصل إلى صدورهم، وتطلع على أفئدتهم وهي أوساط القلوب، ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد ولا أشدّ تألمًا منه بأدنى أذى يمسّه، فكيف إذا اطلعت عليه نار جهنم واستولت عليه، وقيل خصّ الأفئدة لأنها مواطن الكفر والعقائد الفاسدة، ومعنى اطلاع النار عليها أنها تشتمل عليها).
وقيل: معنى {تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} أي: تعلم مقدار ما يستحِقُّه كل واحد منهم من العذاب، وذلك بما استبقاه اللَّه تعالى من الأمارة الدالة عليه. ويقال: اطَّلع فلان على كذا: أي علمه. ذكره القرطبي وقال:(وقد قال اللَّه تعالى: {تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى}[المعارج: ١٧]. وقال تعالى:{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}[الفرقان: ١٢]. فوصفها بهذا، فلا يبعد أن توصف بالعلم).