في هذه الآيات: تكريم اللَّه تعالى رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجنة بنهر الكوثر، وأَمْرُهُ تعالى له إخلاص الصلاة له والنحر، وقضاء اللَّه الذي لا يُرَدُّ أنّ مبغض هذا النبي هو الأقطع الأبتر.
فقوله تعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}. الكوثر: فَوْعَل من الكثرة، مثل النوفل من النفل، والجوهر من الجهر. قال ابن عباس:(هو الخير الكثير). فقيل له: إن ناسًا يقولون هو نهر في الجنة! فقال: (هو من الخير الكثير).
وقال سفيان:(قيل لعجوز رجع ابنها من السفر: بم آبَ ابنك؟ قالت: بكوثر، أي بمال كثير). وقيل الكوثر من الرجال: السيد الكثير الكثير الخير. والكوثر: العدد الكثير من الأصحاب والأشياع. وقد تكوثر: إذا كثر. قال القرطبي:(والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد والقدر والخطر كوثرًا). وقال النسفي:(الكوثر: فوعل من الكثرة، وهو المفرط الكثرة).
قلت: والمقصود بالكوثر في الآية ذلك النهر في الجنة الذي جعله اللَّه كرامة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولأمته، والذي يحمل من ألوان الخير الكثير الكثير، فحافتاه من الذهب، ومجراه على الدّر والياقوت، وتربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج، وأوانيه من فضة. وقد جاءت نصوص السنة الصحيحة بذلك في أحاديث:
الحديث الأول: أخرِج الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح عن ثابت، عن أنس: [أنّه قرأ هذه الآية: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُعطِيتُ الكوثَرَ فإذا هو نهر يجري، ولم يُشَق شَقًّا، وإذا حافَتاه قِبابُ اللؤلؤ، فضربت بِيَدي في