بكل شيء لا ينفعهُ، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعلهم عندهم بعض شيء، فأتوهم فقالوا: أيها الرهط! إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعهُ شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ قال بعضهم: إني والله لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم، حتى تجعلوا لنا جعلًا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ} فكأنما نشط من عقاله، فانطلق يمشي وما بهِ قَلَبَةٌ، فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، وقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنذكر له الذي كان فننظر الذي يأمرنا، فقدموا على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكروا له فقال: وما يُدريكَ أنها رُقْيَة؟ ثم قال: قد أصبْتُمْ اقْسِمُوا واضرِبوا لي معكم سهمًا]. ذكره في باب النفث بالرقية.
وفي رواية له في باب الرُّقَى بفاتحة الكتاب، قال أبو سعيد:[ .... فقالوا إنكم لم تَقْرُونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلًا، فجعلوا لهم قطيعًا من الشاء، فجعل يقرأ بأمِّ القرآن ويجمعُ بُزاقهُ ويتفل فبرأ، فأتوا بالشاء فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسألوه فضحك وقال: وما أدراكَ أنَّها رُقيَة، خذوها واضرِبوا لي بِسَهْم].
وفي رواية:[فأمر لهُ بثلاثين شاة وسقانا لبنًا].
وذكره في باب الشرط في الرقية بِقطيع من الغنم، عن ابن عباس:[أن نفرًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مَرّوا بماء فيهم لديغٌ أو سليم، فعرضو، لهم رجل من أهل الماء فقال: هل فيكما راق؟ إنِ في الماء رجلًا لديغًا أو سليمًا، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاءٍ فبَرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرًا حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله! أخذ على كتاب الله أجرًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنَّ أحقَّ ما أَخَذْتُمْ عليهِ أجرًا كِتابُ الله](١).
قلت: فيه دليل أن المعلوم لديهم أن أخذ المال على قراءة القرآن حرام في غير الرقية كما فهم الصحابة رضوان الله عليهم حيق قالوا لنبيهم -صلى الله عليه وسلم-: (أخذ على كتاب الله أجرًا)، وبما سمعوا من كتاب الله تعالى قوله:{وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}، فليحذر الذين اتخذوا تلاوة القرآن صنعة لهم يلبون حاجات الناس إلى ذلك في المآتم والأحزان، ويشاركونهم جهلهم في الدين وفي تعاملهم مع كلام الله العظيم.
(١) حديث صحيح. أخرجهُ البخاري في الروايات السابقة (٢٢٧٦)، (٥٠٠٧)، (٥٧٤٩)، وأخرجه مسلم (٢٢٠٢)، وأخرجه أحمد (٣/ ١٠)، ورواه أهل السنن.