وقوله:{وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}. قال الربيع: قال أبو العالية: (إلا من بعد ما جاءهم الكتاب والعلم، بغيًا على الدنيا، وطلبَ ملكها وسلطانها، فقتل بعضهم بعضًا على الدنيا، من بعد ما كانوا علماءَ الناس).
وقوله:{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}. قال محمد بن جعفر بن الزبير: ({فَإِنْ حَاجُّوكَ} أي: بما يأتونك به من الباطل، من قولهم:"خلقنا، وفعلنا، وجعلنا، وأمرنا"، فإنما هي شبه باطلة قد عرفوا ما فيها من الحق، {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}). وقال ابن جرير فيها:(فإن حاجَّك، يا محمد، النفر من نصارى أهل نجران في أمر عيسى صلوات الله عليه، فخاصموك فيه بالباطل، فقل: انقدت لله وحده بلساني وقلبي وجميع جوارحي، وإنما خصّ جل ذكره بأمره بأن يقول:{أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ}، لأن الوجه أكرمُ جوارح ابن آدم عليه، وفيه بهاؤه وتعظيمه، فإذا خضع وجهه لشيء، فقد خضع له الذي هو دونه في الكرامة عليه من جوارح بدنه).
وقوله:{وَمَنِ اتَّبَعَنِ} أي. وأسلم من اتبعني أيضًا وجهه لله معي.
وقوله:{وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا}. يعني: وقل يا محمد لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، والأميين: الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب، هل أسلمتم وأفردتم التوحيد والتعظيم لله سبحانه وتركتم الأوثان والأنداد فكفرتم بها، فإن انقادوا لذلك فقد أصابوا سبيل الحق والمؤمنين، {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}. يعني: إن أعرضوا فقد أعذرت من أنذرت والله يتولى الأمر، فيعلم من يستحق الهداية ممن يستحق الغواية والضلال.
فائدة: هذه الآية تشير إلى عموم دعوته - صلى الله عليه وسلم - إلى سائر الأمم.
قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ}
وقال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالمِينَ نَذِيرًا}.
وقال تعالى:{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}.