للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧١ - ٧٤. قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَال قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (٧٢) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَاليْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧٣) فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (٧٤)}.

في هذه الآيات: أَمْرٌ مِنَ الله تعالى عباده المؤمنين بالتأهب للعدو وأخذ الحذر واستكمال العدة لِقتالِهِ والحثّ على ملاقاته جماعة جماعة وفرقة بعد فرقة وسرية بعد سرية لإنهاكه وتحقيق كسره. ثُمَّ تحْذيرٌ من سبيل المنافقين وأساليب مكرهم وخداعهم، وحث على الصدق في التجارة مع الله سبحانه وشراء الحياة الدنيا بالآخرة، وتذكيرٌ بأجر القتال في سبيل الله في الدنيا والآخرة.

فقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}. كقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}. وكقوله: {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: ١٠٢].

قال القرطبي: (هذا وصاة بالحذر لئلا ينال العدو أمله، ويدرك فرصته).

وفي معجم الطبراني بسند صحيح من حديث معاذ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود] (١).

فالآية أمر من الله بأخذ العدة والسلاح الذي ينفع في مواجهة العدو وغزوه وحربه.

وقوله: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ}. قال ابن عباس: (يقول: عصبًا، يعني سرايا متفرقين). وقال مجاهد: (فرقًا، قليلًا قليلًا). وقال قتادة: (الثبات: الفرق). والثبات: جمع ثُبَة، وقد تجمع على ثُبينَ. والمقصود انفروا جماعة بعد جماعة وفرقة بعد فرقة، وسرية بعد سرية، بما يحصل فيه كسر العدو وقهره.


(١) حديث صحيح. أخرجه الطبراني في المعاجم الثلاثة، وأبو نعيم في الحلية (٥/ ٢١٥)، (٦/ ٩٦)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٢/ ٢٩١/ ١)، وانظر السلسلة الصحيحة (١٤٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>