للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وصفة النار وذكر حال الأبرار ثم حال الفجار (١)، ونحو ذلك. وأما ههنا فالمتشابه هو الذي يقابل المحكم، وأحسن ما قيل فيه هو الذي قدمناه وهو الذي نصَّ عليه محمد بن إسحاق بن يسار (٢) حيث قال: منه آيات محكمات فهنَّ حجّة الربّ، وعصمة العباد، ودفع الخصوم والباطل، ليس لهنَّ تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه، قال: والمتشابهات في الصدق لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهنَّ العباد، كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألا يصرفن إلى الباطل ويحرفن عن الحق (٣).

ولهذا قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ أي: ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دامغ لهم وحجة عليهم، ولهذا قال الله تعالى: ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾ أي: الإضلال لأتباعهم إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو حجة عليهم لا لهم، كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وتركوا الاحتجاج بقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ [الزخرف: ٥٩] وبقوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)[آل عمران] وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله وعبد ورسول من رسل الله.

وقوله تعالى: ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ أي: تحريفه على ما يريدون، وقال مقاتل بن حيان والسدي: يبتغون أن يعلموا ما يكون وما عواقب الأشياء من القرآن (٤).

وقد قال أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن عبد الله بن أبي مُليكة، عن عائشة قالت: قرأ رسول الله ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ إلى قوله: ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ فقال: "فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم" هكذا وقع هذا الحديث في مسند الإمام أحمد من رواية ابن أبي مُليكة، عن عائشة ليس بينهما أحد (٥)، وهكذا رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن علية وعبد الوهاب الثقفي كلاهما عن أيوب، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُليكة عنها (٦)، ورواه محمد بن يحيى العدني في مسنده عن عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب به، وكذا رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب (٧)، وكذا رواه غير واحد عن أيوب، وقد (٨) رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أيوب به (٩)، ورواه أبو بكر بن المنذر في تفسيره من طريقين عن النعمان بن محمد بن الفضل السدوسي ولقبه:


(١) قوله: "ثم حال"، كذا في الأصل و (ح) و (حم) وفي (عف): "وحال".
(٢) في الأصل: "بشار" وهو تصحيف.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن إسحاق مختصرًا.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن عن السدي وبسند حسن عن مقاتل بن حيان.
(٥) أخرجه الإمام أحمد سنده ومتنه (المسند ٦/ ٤٨، ٢٥٦) وهو حديث متفق عليه كما سيأتي.
(٦) السنن، المقدمة، باب اجتناب البدع والجدل (ح ٤٧).
(٧) تفسير عبد الرزاق ١/ ١١٦.
(٨) في الأصل: "كذا رواه" والمثبت من (عف) و (ح) و (حم).
(٩) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ١/ ٢٧٧ (ح ٧٦).