للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠)﴾ قال: فليتفكروا فيها (١)، لفظ ابن مردويه. وقد تقدم هذا الحديث من رواية الطبراني في أول الآية، وهذا يقتضي أن تكون هذه الآيات مكية، والمشهور أنها مدنية، ودليله الحديث الآخر.

قال ابن مردويه: حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن علي الحراني، حدثنا شجاع بن أشرس، حدثنا حشرج بن نباتة الواسطي أبو مكرم، عن الكلبي وهو أبو جَناب، عن عطاء، قال: انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة ، فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب، فقالت: يا عبيد ما يمنعك من زيارتنا؟ قال: قول الشاعر: زر غبًا تزدد حبًا. فقال ابن عمر: ذرينا أخبرينا بأعجب شيء رأيتِهِ من رسول الله ، فبكت وقالت: كل أمره كان عجبًا، أتاني في ليلتي حتى مسَّ جلده جلدي، ثم قال: "ذريني أتعبد لربي ﷿ قالت: فقلت: والله إني لأحب قربك، وإني أحب أن تَعَبّد لربك، فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صبَّ الماء، ثم قام يصلي فبكى حتى بلَّ لحيته، ثم سجد فبكى حتى بلَّ الأرض، ثم اضطجع على جنبه فبكى حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح. قالت: فقال: يا رسول الله، ما يبكيك وقد غفر الله لك ذنبك ما تقدم وما تأخر؟ فقال: "ويحك يا بلال، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل عليّ في هذه الليلة ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠)" ثم قال: "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها" (٢).

وقد رواه عبد بن حميد في تفسيره عن جعفر بن عون، عن أبي جناب الكلبي، عن عطاء (٣). قال: دخلت أنا وعبد الله بن عمر وعبيد بن عمير على أُم المؤمنين عائشة وهي في خدرها، فسلمنا عليها، فقالت: من هؤلاء؟ قال: فقلنا: هذا عبد الله بن عمر وعبيد بن عمير. قالت: يا عبيد بن عمير. ما يمنعك من زيارتنا، قال: ما قال الأول: زر غبًا تزدد حبًا. قالت: إنا لنحب زيارتك وغشيانك. قال عبد الله بن عمر: دعينا من بطالتكما هذه، أخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله . قال: فبكت ثم قالت: كل أمره كان عجبًا، أتاني في ليلتي حتى دخل معي في فراشي، حتى لصق جلده بجلدي، ثم قال: "يا عائشة ائذني لي أتعبد لربي". قالت: إني لأحب قربك وأحب هواك. قالت: فقام إلى قربة في البيت فما أكثر صبّ الماء، ثم قام فقرأ القرآن، ثم بكى حتى رأيت أن دموعه بلغت حقويه حجره، قالت: ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه، قالت: ثم اتكأ على جنبه الأيمن ووضع يده تحت خده، ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت الأرض فدخل عليه بلال فآذنه بصلاة الفجر، ثم قال: الصلاة يا رسول الله، فلما رآه بلال يبكي قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما


(١) أخرجه ابن أبي حاتم مختصرًا من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني عن يعقوب القمي عن جعفر به، وسنده ضعيف بسبب يحيى وجعفر كما تقدم في أول رواية لتفسير الآية. وما ذكره الحافظ من دليل آخر فإنه ضعيف أيضًا كما سيأتي.
(٢) سنده ضعيف بسبب أبي جناب الكلبي وهو: يحيى بن أبي حَيَّن ضعفوه لكثرة تدلسيه (التقريب ص ٥٨٩) ولم يصرح بالسماع. وفي متنه مبالغة في قوله: فبكى حتى بلّ الأرض!
(٣) في الأصل ورد بلفظ: "وقد رواه عبد بن حميد عن جعفر بن عون عن أبي جناب الكلبي عن عطاء" بأطول من هذا وأتم سياقًا. وكذا في (حم) و (ح)، وأما في (عف) و (مح) فقد ساقه بطوله كما أثبت أعلاه.