للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وأما ما روي عن ابن مسعود (١) وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن (منكوسًا) (٢)، وقالا: إنما ذلك منكوس القلب، فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسة فيبتدئ بآخرها إلى أولها، فإن ذلك حرام محظور" (٣).

(ثم قال البخاري): حدثنا آدم، عن شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود يقول في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: "إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي".

انفرد بإخراجه البخاري (٤).

والمراد منه ذكر ترتيب هذه السور في مصحف ابن مسعود كالمصاحف العثمانية.

وقوله: "من العتاق الأول أي: من قديم ما نزل.

وقوله: "وهن من تلادي"؛ أي: من قديم ما قنيت وحفظت، والتالد في لغتهم: قديم المال والمتاع، والطارف: حديثه وجديده، والله أعلم.

حدثنا أبو (٥) الوليد، حدّثنا شعبة، أنا أبو إسحاق سمع البراء بن عازب الله يقول: تعلمت ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)﴾ قبل أن يقدم النبي .

وهذا متفق عليه وهو قطعة من حديث الهجرة. والمراد منه أن ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)[الأعلى] سورة مكية نزلت قبل الهجرة، والله أعلم.


(١) أخرجه عبد الرزاق (ج ٤/ رقم ٧٩٤٧)؛ وابن أبي شيبة (١٠/ ٥٦٤)؛ وأبو عبيد (ص ٦٥) من طريق الثوري وأبي معاوية معًا عن الأعمش، عن شقيق أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود قال: يا أيها الناس تعلموا القرآن، فإن أحدكم لا يدري متى يخيل إليه. قال: وجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن أرأيت إلى رجل يقرأ القرآن منكوسًا؟ قال: ذلك منكوس القلب. وأتى بمصحف قد ذهب وزين فقال عبد الله: "إن أحسن ما زين به المصحف تلاوته بالحق". هذا لفظ عبد الرزاق. ولفظ ابن أبي شيبة مختصر. وسنده صحيح.
(٢) في (ج) و (ل): "مقلوبًا".
(٣) إلى هنا انتهى كلام ابن بطال.
(٤) في "فضائل القرآن" (٩/ ٣٩ - فتح)، وأخرجه أيضًا في (٨/ ٣٨٨، ٤٣٥)، وأخرجه ابن الضريس في "فضائل القرآن" (٢١٠) قال: أخبرنا عمرو بن مرزوق، أنبأ شعبة به وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٤/ ١٣٦) لابن مردويه، وعزاه الحافظ في "الفتح" (٨/ ٤٣٥) للإسماعيلي وقد خولف شعبة فيه. خالفه المسعودي، فرواه عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن أبيه عبد الله بن مسعود فذكره. أخرجه أبو عبيدة في "الفضائل" (ص ١٣٣) وقال: "كان شعبة يخالفه في الإسناد" ولا شك أن رواية شعبة أقوى، وهي المحفوظة. والمسعودي كان اختلط.
وقال أبو عبيد: "قوله: "من تلادي"؛ يعني: من قديم ما أخذت من القرآن، وذلك أن هذه السور نزلت بمكة". اهـ.
(٥) أخرجه البخاري في "الفضائل" (٩/ ٣٩).
وأخرجه البخاري أيضًا (٥/ ٩٣ و ٦/ ٦٢٢ و ٧/ ٢٤٠، ٢٥٥ و ١٠/ ٧٠ - فتح)؛ ومسلم في "الأشربة" (٩ - ٢٠/ ٩٠، ٩١)؛ وفي "الزهد" (٩ - ٢٠/ ٧٥).
وقول المصنف : "متفق عليه"؛ يعني: على أصل الحديث، وإلا فلم يرو مسلم قول البراء الذي أخرجه البخاري. والله أعلم.