للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومحمد بن سيرين وعطاء والضحاك، نحو هذا (١) وهو الظاهر من الآية ولا يرد على هذا ما ثبت في الصحيح: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق فيقول رجل: لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثله فهما في الأجر سواء" (٢)، فإن هذا شيء غير ما نهت عنه الآية، وذلك أن الحديث حضّ على تمني مثل نعمة هذا، والآية نهت عن تمني عين نعمة هذا، فقال: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ أي: في الأمور الدنيوية، وكذا الدينية أيضًا، لحديث أم سلمة وابن عباس. وهكذا قال عطاء بن أبي رباح: نزلت في النهي عن تمني ما لفلان، وفي تمني النساء أن يكن رجالًا فيغزون، رواه ابن جرير (٣)، ثم قال: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ أي: كل له جزاء على عمله بحسبه إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، هذا قول ابن جرير، وقيل: المراد بذلك في الميراث؛ أي كل يرث بحسبه، رواه الوالبي عن ابن عباس (٤)، ثم أرشدهم إلى ما يصلحهم، فقال: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ لا تتمنوا ما فضلنا به بعضكم على بعض، فإن هذا أمر محتوم، والتمني لا يجدي شيئًا، ولكن سلوني من فضلي أعطكم، فإني كريم وهاب، وقد روى الترمذي وابن مردويه من حديث حماد بن واقد، سمعت إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله : "سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وإن أفضل العبادة انتظار الفرج" ثم قال الترمذي: كذا رواه حماد بن واقد، وليس بالحافظ، ورواه أبو نعيم عن إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن رجل، عن النَّبِيّ ، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح (٥)، وكذا رواه ابن مردويه من حديث وكيع، عن إسرائيل، ثم رواه من حديث قيس بن الربيع، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : "سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وإن أحب عباده إليه الذي يحب الفرج" (٦).

ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ أي: هو عليم بمن يستحق الدنيا فيعطيه منها، وبمن يستحق الفقر فيفقره، وعليم بمن يستحق الآخرة فيقيضه لأعمالها، وبمن يستحق الخذلان فيخذله عن تعاطي الخير وأسبابه، لهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾.


(١) ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند، وقول ابن سيرين أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أيوب السختياني عنه.
(٢) أخرجه الشيخان من حديث ابن مسعود. الصحيح البخاري، الزكاة، باب إنفاق المال في حقه (ح ١٤٠٩)، وصحيح مسلم، صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه (ح ٨١٦).
(٣) أخرجه الطبري بسند فيه الحسين وهو سنيد ضعيف.
(٤) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة الوالبي به بنحوه.
(٥) أخرجه الترمذي بسنده ومتنه وتعليقه (السنن، الدعوات، باب في انتظار الفرج ح ٣٥٧١)، وسنده ضعيف بسبب حماد بن واقد وهو ضعيف (التقريب ص ١٧٩)، وضعف سنده الألباني في السلسلة الضعيفة (ح ٤٩٢).
(٦) في سنده حكيم بن جبير وهو ضعيف (التقريب ص ١٧٦).