للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، ثم جلس فقال: "ثلاثون" (١)، وكذا رواه أبو داود عن محمد بن كثير، وأخرجه الترمذي والنسائي والبزار من حديثه، ثم قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه. وفي الباب عن أبي سعيد وعلي وسهل بن حنيف (٢).

وقال البزار: قد روي هذا عن النبي من وجوه هذا أحسنها إسنادًا.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن حرب الموصلي، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، عن الحسن بن صالح، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسيًا، ذلك بأن الله يقول: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (٣).

وقال قتادة: فحيوا بأحسن منها؛ يعني للمسلمين، أو ردوها؛ يعني لأهل الذمة (٤). وهذا التنزيل فيه نظر كما تقدم في الحديث من أن المراد أن يرد بأحسن مما حياه به، فإن بلغ المسلم غاية ما شرع في السلام، رد عليه مثل ما قال، فأما أهل الذمة فلا يبدؤون بالسلام ولا يزادون، بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر، أن رسول الله قال: "إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليكم، فقل: وعليك" (٥).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" (٦).

وقال سفيان الثوري، عن رجل، عن الحسن البصري، قال: السلام تطوع والرد فريضة (٧).

وهذا الذي قال، هو قول العلماء قاطبة، أن الرد واجب على من سلم عليه، فيأثم إن لم يفعل، لأنه خالف أمر الله في قوله: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"] (٨) (٩).

وقوله: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ إخبار بتوحيده وتفرده بالإلهية لجميع المخلوقات وتضمن قسمًا


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٤٣٩)، وسنده حسن، وسيأتي تخريجه.
(٢) سنن أبي داود، الأدب، باب كيف السلام؟ (ح ٥١٩٥)، وسنن الترمذي، الاستئذان، باب ما ذكر في فضل السلام وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، والسنن الكبرى للنسائي (ح ١٠١٦٩)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٢١٦٣).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وأخرجه البخاري من طريق سماك به (الأدب المفرد ح ١١٠٧)، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (ح ٨٤٣).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) صحيح البخاري، الاستئذان، باب كيف يرد على أهل الذمة السلام؟ (ح ٦٢٥٧)، وصحيح مسلم، السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب السلام (ح ٢١٦٤).
(٦) المصدر السابق (ح ٢١٦٧).
(٧) أخرجه الطبري من طريق الثوري به، وفي سنده انقطاع لإبهام شيخ الثوري، وأخرجه البخاري متصلًا عن الحسن (الأدب المفرد ح ١٠٤٠)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (ح ٧٩٤).
(٨) سنن أبي داود، الأدب، باب في إفشاء السلام (ح ٥١٩٣)، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة أيضًا (الصحيح، الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ح ٩٣).
(٩) ما بين معقوفين لا يوجد في النسخ واستدرك من نسخة دار الكتب حسب طبعة البابي الحلبي.