للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

موسى بمائة ألف كلمة وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام، وصايا كلها، فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم مما وقع في مسامعه من كلام الرب ﷿ (١).

وهذا أيضًا إسناد ضعيف، فإن جويبر أضعف، والضحاك لم يدرك ابن عباس .

فأما الأثر الذي رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه وغيرهما من طريق الفضل بن عيسى الرقاشي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله أنه قال: لما كلم الله موسى يوم الطور، كلمه بغير الكلام الذي كلمه يوم ناداه، فقال له موسى: يا رب هذا كلامك الذي كلمتني به، قال: لا يا موسى، إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسنة كلها، وأنا أقوى من ذلك، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل، قالوا: يا موسى، صف لنا كلام الرحمن. قال: لا أستطيعه. قالوا: فشبه لنا. قال: ألم تسمعوا إلى صوت الصواعق، فإنه قريب منه وليس به (٢).

وهذا إسناد ضعيف، فإن الفضل الرقاشي هذا ضعيف بمرة.

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن جزء بن جابر الخثعمي، عن كعب، قال: إن الله لما كلم موسى بالألسنة كلها، فقال له موسى: يا رب، هذا كلامك؟ قال: لا، ولو كلمتك بكلامي لم تستقم له. قال: يا رب، فهل من خلقك شيء يشبه كلامك؟ قال: لا، وأشد خلقي شبهًا بكلامي أشد ما تسمعون من الصواعق (٣).

فهذا موقوف على كعب الأحبار، وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل وفيها الغث والسمين.

وقوله: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ أي: يبشرون من أطاع الله واتبع رضوانه بالخيرات، وينذرون من خالف أمره وكذب رسله بالعقاب والعذاب، وقوله: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ أي: أنه تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة، وبين ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه، لئلا يبقى لمعتذر عذر، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (١٣٤)[طه] وكذا قوله: ﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)[القصص].

وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله : "لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله ﷿، من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين" (٤)، وفي لفظ آخر: "من أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه" (٥).


(١) سنده ضعيف جدًّا لأن جويبر متروك.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف جدًّا لأن الفضل الرقاشي منكر الحديث (التقريب ٢/ ١١١).
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الرزاق به، وفي سنده جزء بن جابر سكت عنه ابن أبي حاتم (الجرح والتعديل ٢/ ٥٤٦) وهو من آثار كعب الإسرائيلية.
(٤) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١] (ح ٤٦٣٤)، وصحيح مسلم، التوبة، باب غيرة الله تعالى (ح ٢٧٦٠).
(٥) صحيح مسلم، الباب السابق (ح ٢٧٦٠/ ٣٥).