للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال البخاري: عيسى بن راشد هذا مجهول، وخبره منكر، قلت: وعلي بن بذيمة وإن كان ثقة إلا أنه شيعي غال، وخبره في مثل هذا فيه تهمة فلا يقبل، وقوله: فلم يبق أحد من الصحابة إلا عوتب في القرآن إلا عليًا، إنما يشير به إلى الآية الآمرة بالصدقة بين يدي النجوى، فإنه قد ذكر غير واحد أنه لم يعمل بها أحد إلا علي، ونزل قوله: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ الآية [المجادلة: ١٣]، وفي كون هذا عتابًا نظر، فإنه قد قيل: إن الأمر كان ندبًا لا إيجابًا، ثم قد نسخ ذلك عنهم قبل الفعل، فلم يصدر من أحد منهم خلافه، وقوله: عن علي أنه لم يعاتب في شيء من القرآن فيه نظر أيضًا، فإن الآية التي في الأنفال التي فيها المعاتبة على أخذ الفداء، عمَّت جميع من أشار بأخذه ولم يسلم منها إلا عمر بن الخطاب ، فعلم بهذا وبما تقدم ضعف هذا الأثر، والله أعلم.

وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث، حدثني يونس قال: قال محمد بن مسلم: قرأت كتاب رسول الله الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم فيه "هذا بيان من الله ورسوله ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ فكتب الآيات منها حتى بلغ ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٩] " (١).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، قال: هذا كتاب رسول الله عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة، ويأخذ صدقاتهم، فكتب له كتابًا وعهدًا، وأمره فيه بأمره، فكتب "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله ورسوله ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ عهد من محمد رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كله، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون" (٢).

قوله تعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني بالعقود العهود (٣). وحكى ابن جرير الإجماع على ذلك، قال: والعهود ما كانوا يتعاقدون عليه من الحلف وغيره (٤).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ يعني: العهود، يعني: ما أحلّ الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن كله، ولا تغدروا ولا تنكثوا، ثم شدّد في ذلك فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ إلى قوله: ﴿سُوءُ الدَّارِ﴾ (٥) [الرعد: ٢٥].

وقال الضحاك: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ قال: ما أحلّ الله وحرم، وما أخذ الله من الميثاق على من أقر بالإيمان بالنبي والكتاب أن يوفوا بما أخذ الله عليهم من الفرائض من الحلال والحرام (٦).


(١) أخرجه الطبرى بسنده ومتنه، وسنده مرسل.
(٢) سنده مرسل لأن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم من صغار التابعين.
(٣) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٤) ذكره الطبري كسابقه.
(٥) أخرجه الطبري كسابقه.
(٦) يشهد له سابقه عن ابن عباس.