للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا الوليد بن مسلم، عن وحشي بن حرب، عن أبيه، عن جده، أن رجلًا قال للنبي : إنا نأكل ولا نشبع. قال: "فلعلكم تأكلون متفرقين اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه" ورواه أبو داود، وابن ماجه، من طريق الوليد بن مسلم (١).

﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٥)﴾.

لما ذكر تعالى ما حرمه على عباده المؤمنين، من الخبائث وما أحله لهم من الطيبات. قال بعده ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ ثم ذكر حكم ذبائح أهل الكتابين، من اليهود والنصارى فقال: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ قال ابن عباس، وأبو أمامة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وعطاء، والحسن، ومكحول، وإبراهيم النخعي، والسدي ومقاتل بن حيان: يعني ذبائحهم (٢).

وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء، أن ذبائحهم حلال للمسلمين، لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه، تعالى وتقدس.

وقد ثبت في الصحيح: عن عبد الله بن مغفل، قال: أدلي بجراب من شحم يوم خيبر فحضنته وقلت: لا أعطي اليوم من هذا أحدًا، والتفت فإذا النبي يبتسم (٣).

فاستدل به الفقهاء، على أنه يجوز تناول ما يحتاج إليه من الأطعمة ونحوها من الغنيمة، قبل القسمة، وهذا ظاهر، واستدل به الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة، على أصحاب مالك في منعهم أكل ما يعتقد اليهود تحريمه من ذبائحهم، كالشحوم ونحوها مما حرم عليهم، فالمالكية لا يجوزون للمسلمين أكله، لقوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ قالوا: وهذا ليس من طعامهم، واستدل عليهم الجمهور بهذا الحديث، وفي ذلك نظر، لأنه قضية عين، ويحتمل أن يكون شحمًا، يعتقدون حله كشحم الظهر والحوايا ونحوهما، والله أعلم، وأجود منه في الدلالة، ما ثبت في الصحيح، أن أهل خيبر أهدوا لرسول الله شاة مَصليّة، وقد سموا ذراعها وكان يعجبه الذراع، فتناوله فنهش منه نهشة فأخبره الذراع أنه مسموم فلفظه، وأثر ذلك في ثنايا


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢٥/ ٤٨٥ ح ١٦٠٧٨)، وحسنه محققوه بالشواهد، وأخرجه أبو داود (السنن، الأطعمة، باب الاجتماع على الطعام ح ٣٧٦٤)، وابن ماجه (السنن، الأطعمة، باب الاجتماع على الطعام ح ٣٢٨٦)، كلاهما من طريق الوليد بن مسلم به، وحسنه العراقي (تخريج إحياء علوم الدين ٢/ ٥)، وقال الساعاتي: إسناده جيد (الفتح الرباني ١٧/ ٨٨)، وأخرجه ابن حبان من الطريق نفسه (الإحسان ح ٥٢٢٤).
(٢) قول ابن عباس أخرجه عبد الرزاق من طريق الثوري عن عاصم الأحول عن عكرمة عنه (المصنف رقم ٨٥٨٣)، وسنده حسن، وقول عطاء والحسن البصري وعكرمة أخرَجه الطبري بأسانيد ثابتة.
(٣) صحيح البخاري، الذبائح والصيد، باب ذبائح أهل الكتاب (ح ٥٥٠٨)، وصحيح مسلم، الجهاد، باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب (ح ١٧٧٢).