للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال السدي فقوله: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ قال: يملك الرجل منكم نفسه وماله وأهله، رواه ابن أبي حاتم (١).

وقال ابن أبي حاتم: ذُكر عن ابن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله قال: كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة، كتب ملكًا (٢)، وهذا حديث غريب من هذا الوجه.

وقال ابن جرير: حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، سمعت زيد بن أسلم يقول: وجعلكم ملوكًا فلا أعلم إلا أنه قال: قال رسول الله من كان له بيت وخادم فهو ملك (٣). وهذا مرسل غريب.

وقال مالك: بيت وخادم وزوجة. وقد ورد في الحديث "من أصبح منكم معافى في جسده، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" (٤).

وقوله: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ يعني: عالمي زمانكم، فإنهم كانوا أشرف الناس في زمانهم من اليونان والقبط وسائر أصناف بني آدم، كما قال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (١٦)[الجاثية]، وقال تعالى إخبارًا عن موسى لما قالوا: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (١٤٠)[الأعراف] والمقصود أنهم كانوا أفضل زمانهم، وإلا فهذه الأمة أشرف منهم، وأفضل عند الله، وأكمل شريعة، وأقوم منهاجًا، وأكرم نبيًا، وأعظم ملكًا، وأغزر أرزاقًا، وأكثر أموالًا وأولادًا، وأوسع مملكة، وأدوم عزًا. قال الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠] وقال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣]، وقد ذكرنا الأحاديث المتواترة في فضل هذه الأمة وشرفها وكرمها عند الله عند قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠].

وروى ابن جرير عن ابن عباس وأبي مالك وسعيد بن جبير أنهم قالوا في قوله: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ يعني: أمة محمد (٥)، فكأنهم أرادوا أن هذا الخطاب في قوله: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا﴾ مع هذه الأمة، والجمهور على أنه خطاب من موسى لقومه، وهو محمول على عالمي زمانهم كما قدمنا، وقيل: المراد ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾: يعني بذلك ما كان تعالى نزله عليهم من المن والسلوى، ويظللهم به من الغمام وغير ذلك مما كان تعالى يخصهم به من خوارق العادات، فالله أعلم.


(١) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٢) في سنده دراج في حديثه عن أبي الهيثم ضعف كما في التقريب.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح لكنه مرسل.
(٤) روي عن جمع من الصحابة بأسانيد ضعيفة، وحسنه الألباني بمجموع طرقه (السلسلة الصحيحة ح ٢٣١٨).
(٥) وقول ابن عباس لم أقف عليه في المطبوع من تفسير الطبري، ولعله في النسخة التي بيد الحافظ ابن كثير، وقول أبي مالك وسعيد بن جبير أخرجه الطبري بسند فيه سفيان بن وكيع وهو ضعيف.